بقلم حسن كاظم الفتال
إن العلماء والعارفين والمحققين والمحدثين والمبلغين المرشدين الداعين الرعية إلى سلوك سبيل الرشاد يؤكدون بل يشددون على مقتضى الالتزام بالحكم الشرعي في قبال ما يقره العقل الجمعي . ويجري التشديد بعد توضيح وبيان أسباب فرض تطبيق الحكم ليكون الهدف من ذلك هو تنظيم حياة الإنسان وبمنهجية مشروطة بإبداء الخلوص والصدق في التطبيق . ولعل أول مدلولات الصدق أو إماراته أن يكون الفرد صادقا متصالحا مع الجهات الرئيسية الثلاث أولا : مع ربه جل وعلا سرا وعلانية . ثانيا : مع نفسه مبديا الصدق والإخلاص ومثبتا ذلك بتطابق القول بالفعل وبصحة العمل . ثالثا : مع الآخرين من بني جنسه . وأن يبرهن في إثبات كل ذلك من خلال تمسكه بتطبيق الحكم الشرعي . والبيانات والمدلولات والأمارات للبرهان والإثبات جمة . والغريب كثيرا ما نفاجأ بتعذر تقديم هذا البرهان لدى الكثير منا . إذ كم من مقدمي النصيحة للآخرين أو القائلين بها أو المعلنين عن أمر معين يشابهها وهم ليسوا بفاعليه . فقد تعرض هؤلاء للاختبار فلم يحصدوا إلا الفشل ولم يحسنوا صنعا في تجسيد صورة للدليل والبرهان وإبرازها للواقع ولم يتقنوا فن اندماج القول بالعمل وجعل الأمرين حالة واحدة بالتطبيق العملي وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يسمع أهل الجمع أين الذين كانوا يعبدون الناس ؟ قوموا خذوا أجوركم ممن عملتم له فإني لا أقبل عملا خالطه شيء من الدنيا وأهلها . روضة الواعظين / الفتال النيسابوري بسم الله الرحمن الرحيم ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ـ الحجر/ 92 لعل هذا الذكر الذي يبين عظمة وأهمية وقيمة ما يؤديه الإنسان من عمل حسن يدعونا لأن نميل ميلا تاما للعودة إلى محور التقوى الذي ألزمنا الله به بقوله تبارك وتعالى : ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ) ـ الفتح/26 وذكرنا أمير المؤمنين علي عليه السلام بها ولفت أنظارنا إليها بوصيته العظيمة عند وفاته بقوله عليه السلام : للحسن والحسين عليهما السلام: أوصيكما وجميعَ ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظمِ أمركم وصلاحِ ذاتِ بينكم. إن الوصية مقدمة للحسن والحسين عليهما السلام ومن خلالهما إلينا جميعا ولحاظ ذلك قوله عليه السلام : وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي . وقد جعل التقوى المحطة الأولى والأبرز والأهم للانطلاق لنظم الأمر وثم أداء الإصلاح وجلب الفلاح والعمل على نشره قال اللّه تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ فصلت / 33 مثلما إن التقوى أمارة من أمارات الفرز والتمييز والفصل بين الصدق وعدمه والدعوة للصلاح فهي ميزان أو مؤشر من أبرز مؤشرات المصداقية وهي السبيل لقبول العمل المتقن والفيصل بين الصلاح وعدمه وقال رب العزة والجلالة : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ )ـ المائدة / 27 من الجميل أن يكون المرء مستجيبا لكل نداء تطلقه الشريعة بمقتضيات أحكامها المفروضة على أن تكون التلبية دليلا واضحا ومباشرا على الطاعة المطلقة لأوامر الشريعة السمحة التي جاء بها رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وقال تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ـ الكهف /110 وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ـ النحل /97 وحين يتعاطى الفرد مع الحكم الشرعي بصيغة الوجوب أي أن يدرك بأن الواجب يحتم عليه التطبيق ليلج طاعة الله جل وعلا وليس جزاء للعمل الصالح أقل من الجنة وقد قال الإمام السجاد عليه السلام : أما إن لأبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ـ الكافي ج1 / مولى محمد صالح المازندراني وقال تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) ـ النساء /124 وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان . فحين تتأصل التقوى في النفوس وتزداد جذوتها اشتعالا في الذات وتنمو روحيتها وتتحد مع النية الخالصة في العمل الصالح وثم يصار إلى نشره من خلال نظم الأمر يتم الإصلاح وينتشر الصلاح ويستحصل الفلاح شرط أن تكون الغاية من العمل في نظم الأمور هي بناء المجتمع الأفضل بالسعي إلى تنظيم حياة الإنسان بموجب التشريع الإلهي مطابقا للأحكام الشرعية ليكون الفوز والفلج للجميع. ولابد لأي عمل أن يحاط بالحكم الشرعي أو يستند عليه حيث أن أي عمل لا يخلو من الالتزام بالحكم الشرعي إلا وأصبح عملا صالحا مفيدا نافعا . وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ قِيلاً ) ـ النساء / 122