بقلم: د.صفاء الوائلي
كل ما كان تقليدياً في عالم الامس تغير في عالم اليوم... وتحولت المفاهيم التقليدية المعروفة الى مفاهيم اكثر تعقيداً وأبعد مغزى وأشمل حدوداً... في المراحل السابقة كانت القوى الكبرى الغاشمة المارقة تتعامل مع كل من يتقاطع مع اهدافها ومخططاتها بطريقه تقليديه فكان لهم أعداءاً تقليديون تحاربهم تلك القوى بوسائل تقليديه الا ان تلك القوى وجدت ان لابد من الخروج من الاطار التقليدي في خلق الاعداء بل وحتى بطريقه التعامل معهم.
ان الاعداء في عالم اليوم هم صنفان: عدو افتراضي ظاهرياً من صناعة تلك القوى وواقع تحت سيطرتها بشكل خفي، وعدو آخر حقيقي لا يخضع لسيطرتها وليس من صناعتها والمهمة الأساسية هي توجيه العدو الافتراضي للمواجهة مع العدو التقليدي فتنشأ معركه كلا طرفاها أعداءاً ظاهرياً بينما تبقى تلك القوى الغاشمة تتفرج وتدعم وتمول العدو الافتراضي ليحقق لها انتصارات عسكريه ومكاسب اقتصاديه او سياسيه او حتى تغييرات ديموغرافية وسوسيوبوليتيكيه على العدو التقليدي تخدم اهدافها الغير منظوره للكثير من الناس.
عَمِلت الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول على صناعه داعش كعدو افتراضي لها بينما هو في الحقيقة احدى ادواتها المبتكرة لتدمير الدول بطريقه غير مباشره والسيطرة عليها وعلى مواردها وادخالها في نفق مظلم وهذا ما يدفع بتلك الدول إلى اللجوء الى أميركا طلبا للمساعدة في الحرب... وعلى النقيض وفي نفس الوقت ونفس الاتجاه فان تلك القوى الغاشمة والخبيثة تقوم ببناء وانشاء وابتكار الصديق الافتراضي بنفس الطريقة التي انشئت بها العدو الافتراضي وكلاهما اي العدو والصديق الافتراضي لها يعملان كليهما.. كل حسب المنهج والمخطط المرسوم له لخدمه الغايات والاهداف ... كما وتقوم الولايات المتحدة وحلفائها بتغذيه الصراعات الدينية والطائفية والقومية من خلال دعم بعض اطرافها، تلك الاطراف التي تضمن للولايات المتحدة الأميركية ولائها ورضوخها المطلق لها... لقد أمضت أميركا وحلفائها وقتا طويلاً في اعداد صفوف واسعه من الموالين لها فكراً ومنهجاً وربطت تلك المجاميع بها لان أميركا هي من يغذيها ويمولها ويدعمها ويحميها بكافه الوسائل فأنشئت بذلك منضمات وكيانات اجتماعيه واقتصاديه وسياسيه ودينيه كثيره تتبنى النهج الامريكي الخفي تتحرك تلك المجاميع بشكل متوازي باتجاه تحقيق اي مصلحه لأميركا وحلفائها وما زال المشروع مستمراً في بناء كيانات ومجاميع بل وحتى بناء شخصيات وزجها في المجتمعات ودعمها بشتى الوسائل لتتحرك بشكل افقي وعمودي من خلال عمليه بناء ترابط مباشر مع تلك الكيانات والشخصيات وهو ما يسمى بالمصطلح السياسي (binding) ومن ثم من خلال هذه الكيانات والاشخاص تبدأ بتوسعه نطاق دائرة الترابط لتشمل فضاءات اوسع، لها ترابط مع الرابط الاساسي وهذا ما يسمى بعمليه تجسير الترابط ومده توسيعه (bridging) ان هذه العملية المعقدة هي عمليه بناء الشبكات التواصلية او الـ (network) ولكي تعمل تلك الشبكات سواء اذا كانت عدو افتراضي او صديق افتراضي فإنها تحتاج الى موارد ومصادر تمويل وديمومه وكذلك الى عوامل وعناصر مساعده وغالباً ما تتبنى الشبكات الافتراضية مناهج تمويل مستقله لكي لا يتم كشف إرتباطها وترابطها بمصادر إنشاءها وبالتالي ابقائها في الجانب الآمن وإبعادها عن اي شبهات.
لَقد كرست الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول جهودها بشكل شامل ودقيق وواسع ورصدت الموارد المادية والبشرية اللازمة لمشروعها الجديد والقاضي بزرع الخلايا الخبيثة في جسد الدول دون ظهور أدنى علامات شك باي إرتباط مباشر او وجود أدله مباشره على مصادر تلك الخلايا الغريبة التكوين رغم انها اي تلك الخلايا جزء من الجسد او الدولة وليس جسماً غريباً من خارج الجسد... لقد اتقنت الذهنية الخبيثة للعدو أساليب الارضاخ والتركيع الغير مباشره تجاه الدول المصنفة بأنها متمردة او غير مضمونه الولاء لأميركا وحلفائها وتم وضع منهج دقيق ومتقن لكل دوله، هذا المنهج المفصل سواء سياسياً او اجتماعياً او اقتصادياً يختلف بعمره الزمني في مرحلتي التخطيط والتنفيذ بناءاً على تقييم مسبق لمصادر القوه والضعف لكل دوله مع وجود منهج طوارئ للتعامل مع المتغيرات الغير منظوره على ان يتم اخذ كل المتغيرات الممكنة التي قد يتعرض لها ذلك المنهج او المخطط بالحسبان وبالتالي فان الفترات الزمنية المتوقعة للوصول الى النتائج تختلف من دوله الى اخرى.
إن هذا الاسلوب الجديد هو عمليه شامله المضمون دقيقة الحسابات تم تشكيل فرق اشراف وتخطيط ومتابعه وتحليل وتقييم لتلك العملية ترتبط جميعها بهيئة موحده لإدارة هذا البرنامج التدميري التوسعي الشامل... كما ويتضمن البرنامج تصنيف الاولويات في الاهداف.
ولكي يتم مواجهة هذا البرنامج الشامل على الدول والحكومات ان تعي وان تعرف الاعداء الافتراضيين الحاليين والذي سيظهرون في الفترة القادمة وكذلك يجب التعرف على الاصدقاء الافتراضيين لتلك القوى الذين هم في الحقيقة اشد بئساً واكبر وطئه واكثر تأثيراً من العدو الافتراضي... انها سياسه المطرقة والسندان ووضع الدول في نقطه تتعرض للضغط من اتجاهين، ان هذه السياسة المعقدة تجاه الدول وحسب سلم الاولويات تم تطبيقها بنسب متفاوتة على الكثير من الدول وهناك دول ما زالت تنتظر دورها في ان يشملها ذلك المشروع التدميري سواء اليوم او غداً ولا احد بمأمن من ان تصله تلك الايادي السوداء... ان حالة الوعي والادراك الدقيق لما يجري وفهم حيثيات المخطط الخبيث تفرض علينا ان نكون منتبهين بشكل كامل لما يجري وان حالة الوعي تتطلب فهما من نوع فذ وخاص، كما ويجب تحديد المؤشرات التي لزم متابعتها ومراقبتها لرصد ذلك المخطط من خلال رصد تحركاته التصاعدية والتنازلية وتحليل تلك التحركات وتقييم نتائجها والمباشرة بعمل مضاد يعاكس مخططات الاعداء بالاتجاه ويعادله بالمقدار او يتفوق عليه لان الوقت يمضي بسرعه وعامل الزمان من العوامل المهمة التي ستضمن التفوق لهذا الطرف او ذاك... انها معركه ترسانات فكريه لا مصانع حربيه، معركه عقل وادراك اكثر من معركه سلاح.. نحن بحاجه الى مقاتلين ومحاربين من نوع خاص سلاحهم فهم العقلية التي يعمل بها العدو وتحديد وسائل مواجهة ناجعه من اجل تغيير مسارات تلك الحرب ذات النمطية المعقدة وشخصنة عناصرها ودرء مخارطها الكبيرة.