حجم النص
بقلم:علي حسين الخباز
لقد اتخذت قراري وحزمت امري لأعبر قرونا، علني اجد شهادة جسورة كانت لها حضور فاعل في الأحداث التي جرت على مولاي الرضا من خلال ولاية العهد، ولكي تكون رحلتي مجدية.
كان المقترح أن التقي رجاء ابن أبي الضحاك، وهو الرجل الذي بعثه المأمون في مهمة إشخاص الإمام الرضا (عليه السلام)، وقد يحتاج مثل هذا اللقاء الى الكثير من التوافقات مثل المكان المناسب والزمان المناسب، تقبل رجاء الضحاك للتحاور، ثقافته.. جرأته..
ومجرد ان عرف مهمتي اجابني:ـ أمرني المأمون ان افد بالإمام الرضا (عليه السلام) وأن آخذه على طريق (البصرة - الاهواز وفارس) ولا اخذه على طريق قم، قلت: لماذا اختار لك المأمون خارطة الطريق بنفسه؟ أجابني: لأنه يخشى الشيعة فلذلك اختار الوقت والطريق، وكان قلقا جدا من هذه المهمة، ويعتبرها مهمة عسيرة.
قلت:ـ ولماذا اختارك انت دون غيرك؟ اجابني مبتسما: لأن المهمة تتطلب العقل والرزانة والهدوء وضبط الاعصاب، فالقضية ليست سهلة، ليس من السهولة احتواء ثقل الامامة وخاصة عندما تكون الموازنة بين الشرطة وقائدها الارعن ومن جهة أخرى حماس الناس وقوة استقبالهم لإمامهم.
هو اختارني لكون الأمر يحتاج الى رجل سياسة وليس رجل قانون وشرطة.. وأمرني أن أحفظه بنفسي حتى أقدم به عليه، كنت معه من المدينة الى مرو.. فو الله ما رأيت مثله رجلا اتقى لله منه، انا احببته بشدة ولا علاقة امر محبتي بالمهمة التي حملتها على عاتقي.
سألته:ـ هل لاحظت قبولاً حقيقياً عند الإمام (عليه السلام) بولاية العهد:ـ انا لم أكن غريباً عن أهل البيت (عليهم السلام)، وكنت أخشى أن يرفض وهذا هو المتوقع، لكننا نعرف انه ابن الحكمة والزهد في الدنيا، ويعرف أن القبول له موقفه الجهادي، فهو ليس من أجل جاه ومنصب.
ومن خلال المسير أدركت ان الامام (عليه السلام) يعرف تماما ان عرض المأمون لأمر ولاية العهد لم يكن من باب الاعتراف بالشرعية أو رد الجميل والإحسان للبيت العلوي.
قلت:ـ اذن، كيف كان يرى الامام عليه السلام عرض المأمون؟ فقال بهدوء:ـ كان الامام الرضا (عليه السلام) خلال الطريق لا فراغ عنده للحديث مع احد فهو متفرغ الى الله تعالى، كانت فرص الحديث معه قليلة جدا، لكن مجمل القول هو يعرف ان المأمون يريد من هذا التقرب مصلحة لبلاطه العباسي، حيث كثرت الثورات عليه وأصبحت المؤامرات تحاك عليه بوضح النهار، المأمون يريد ان يبين لخصومه انه مع الحق وقدم حكمه للناس مزدهرا بالعلم والثقافة، وثبت اركان عرشه بدعائم العدل، والإمام (عليه السلام) يؤمن بأن تداول السلطة يجب ان يكون عن طريق كسب رضا الناس.
ان الناس هم من يضع على عاتقهم مهمة القبول بالحاكم أو السلطان، كنت أتوقع انك ستسألني كيف سيطيق العرش المأموني عدالة الرضا (عليه السلام)، وانفتاحه على الناس ورفع الطبقية عن العرش، فهو يعطي للناس وهمومهم الأولية، كان يجالسهم ويستمع لآرائهم ويوجههم، وهذه الحالات لاتتوالم مع عنجهية الخشوع السلطوي، وعنجهية التفرد كيف سيحمل العرش رجلا يدعو الى مائدته الخدم وحين يطلب منه ان يفرد لهم مائدة تخصهم، ينظر اليهم ويقول:ـ الرب واحد والأب واحد والأم واحدة، ولا فرق.
انا شخصيا تعلمت الكثير من هذه الرحلة، تعلمت من الامام (عليه السلام) ان لا فواصل تفصل الحاكم عن المحكوم، ولابد لنا ان نؤسس مجتمعا صالحا مبنيا على الاحترام والتراحم والتواصل المستمر بين الحاكم والناس.
قلت: والناس كيف تقبلوا هذا الامر.. قال:ـ لم نمر بمدينة إلا توجه أهلها لاستقباله بحفاوة، واستفتوه عن شؤونهم.. قلت في نهاية الحوار: الف شكر لك، كان لابد ان نقف امام الذكرى موقف متأمل.
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي