بقلم:حسن كاظم الفتال
من الطبيعي أن نختلف على أمور كثيرة ولكن ما لا يمكن أن يختلف عليه اثنان هو : أن بلدنا العزيز قد رزح تحت نير الحكم الدكتاتوري لفترة طويلة وقد حق للبعض أن يعدها فترة مظلمة وقيل : ( إن الدكتاتورية هي أم الكبائر السياسية ) وأم الكبائر هذه مثلما زعزعت الثقة لدى الكثير من الأفراد فهي أيضا أزهقت الكثير من النفوس وراح سعيرها لا يستثني أخضرَ ولا يابسا إلا أحرقه ولعل أكثر ما التهم لهبها المعاندين لها والرافضين ممارستها ممن تمردوا بقوة على الظلم والجور وكل سمات الطغيان . لعل التطرق لمثل هذا الحديث يدفع المطلع عليه للقول أنه لم يأت بجديد إذ هو لا يخلو من عمومية فهذه التوصيفة لا تنحصر إشارتها على العراق والعراقيين فحسب بل تشمل الكثير من البلدان . وحين نسلم تسليما تاما بهذا الرأي نقول : رغم ما قيل ويقال إنما لم يعانِ الآخرون ما عانى شعبنا الجريح وتوصيفة الجريح لعلها أدق وأنسب وأصدق توصيفة . فإن أم الكبائر هذه التي هي الدكتاتورية ساهمت مساهمة فاعلة في تغيير معالم كثيرة في الواقع المعاش وتركت أيضا أثرا لا يمكن إزالته إلا بتعاون وتضامن البعض مع البعض الآخر خصوصا حين يشمرون عن السواعد وترص الصفوف وتستنهض الهمم لتشييد بناء وطن ومواطن جديد ينسجم حاله مع ما تتطلبه صورة العهد الجديد . إن أشد ما يعتصر المجتمع ويثقل كاهله ويزيد من معاناته مروره بالمراحل الانتقالية إذ أن المجتمع يصبح في مثل هذه المراحل بحاجة إلى بذل جهود استثنائية لإزالة تراكمات الماضي والاستعداد التام لمواجهة التغيير والبدء بتغيير النفوس قبل كل التغييرات ( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ـ الرعد / 11 نعم لقد منَّ الله عز وجل علينا برفع البلاء وأنقذنا من هلكات أم الكبائر تلك . ولكن معظم الآثار التي يخلفها تعاقب الأزمان وتوالي الأزمات لا يمكن محوها بالسهولة التي يتصورها البعض وإن ما نواجهه هذه الأيام يثبت ذلك ويؤكد مصداقيته . فنقول : إن ما يدعو للأسف أن ترد في هذه الأيام الكثير من التصريحات التي تنطلق إما من مسؤولي بعض المؤسسات الإعلامية التي أنشئت حديثا أو من قبل من التحق بها حديثا من أجل توفير لقمة عيش ناسيا أو متناسيا أمورا كثيرة تتعلق بشرف المهنية والحرفية مما يجعله أن يصنع ما يحلو له خصوصا أن القسم الأكبر من هؤلاء الأعزاء لم يعش مآسي النظام السابق إما لعدم تواجده في البلد أو لعدم معاصرته الأحداث لصغر سنه. لذلك يطل الكثير منهم علينا من خلال الشاشات أو من خلف المذياع بتصريحات فارغة إلا من التشنج والحدة والانتقاد وتوجيه التهم للمسؤولين وللسياسيين وكثيرا ما تكون بعيدة كل البعد عن الموضوعية وغير مبررة وتتعدى حدود الإنصاف ولعل البعض يلمح من خلال هذه التصريحات إلى أمر يحاول من خلاله إخماد جذوة الأمل في النفوس وإيقاظ الخيبة واليأس فيها . ويبدو أن مثل هؤلاء الأشخاص يحسبون أن تحقيق ما يرومون تحقيقه وبلوغ المراتب التي بلغها من سبقهم من الإعلاميين والصحفيين لا يأتي إلا من خلال مثل هذه التصريحات الرنانة التي لا تخدع إلا البسطاء من مستمعين كانوا أو مشاهدين خصوصا من أولئك الذين يتبادلون الثناء والمديح والإطراء الفارغ من أي محتوى حقيقي ومثل هؤلاء لم يدركوا أن المعنيين بالشأن الإعلامي لهم القدرة التامة على التمييز والفرز بعيدا عن السطحية والهامشية والسذاجة. وثمة ملاحظتان لابد من الإشارة إليهما: الملاحظة الأولى : إن كل المراحل الانتقالية تشوبها تداعيات ولابد أن تفرز بعض الإفرازات وربما يسودها الاضطراب والفوضى وهذا الاضطراب والفوضى تيسران للبعض أن يتسلل ليخترق الصفوف فيحتل موقعا غير موقعه أو ليتسلق أي قمة ليس من حقه تسلقها فيندس إلى المكاتب إما خلسة أو بمساعدة من قدم له فروض الطاعة وأشبعه تملقا والطريف أن هؤلاء وخصوصا المدعين رغم افتقارهم للخبرة وصغر السن إلا أنهم يمثلون دور النعامة حين تدس رأسها في الرمل هم ومن خولهم أن يتسنموا المناصب المهمة . الملاحظة الثانية : لقد اتخذ الكثير من هؤلاء بعض دور الإذاعات موطنا لترويج وتسويق بضائعهم عن طريق الثناء والإطراء على أنفسهم أولا وبيان مواقعهم بشكل أو بآخر ومن ثم الإطراء والثناء والمديح المبالغ به على المستمع أو المشاهد ليأخذ المشاهد أو المستمع هما الآخران دورهما في الترويج والتسويق للمتحدث ويتكرر الحديث حتى يصدق أحدهما الآخر فيصل الأمر إلى مرحلة لا تحمد عقباها .. إن ما نتمناه هو أن ينتبه الجميع ويلتزموا التزاما تاما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه وقال الإمام الصادق عليه السلام : وما أخال رجلا يرفع نفسه فوق قدرها إلا من خلل في عقله . وقيل : من عرف قدر نفسه لم يهنها بالفانيات
أقرأ ايضاً
- فوضى التصريحات والابتزاز السياسي
- التصريحات المُتناقضة
- محللو الإطار وسياسيوه بين عنف التصريحات وتضييع الفرص