- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حكومة التوقّعات والإيحاءات العجيبة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
التوقعات مُهمّة جدّاً في الإقتصاد. وعلى أساسها يبني الناس، وأصحاب الأعمال والمشاريع، نظرتهم المستقبليّة لفرص عملهم، ومصادر رزقهم، والتوسّع في مشاريعهم، أو إيقافها، أو تصفيتها أحياناً.
لقد تمّ إغراق الناس والإقتصاد في حالةٍ من إنعدام الثقة، والتيقّن من المستقبل، وبسيلٍ جارف من التوقعّات المتشائمة.
ويعودُ ذلكَ بدرجةٍ أساسيّة لإعتماد الجهاز الإعلامي والتنفيذي للحكومة على "الإيحاءات"، وليس على الأفعال الملموسة.
هذه الحكومة (بفعل ظروف تكوينها المُلتَبِسة، وليس بفعل عجزها عن فعل شيء)، هي "ملِكة" الإيحاءات بإمتياز.
الإيحاء بأنّ الوضع الإقتصادي سيّء، بل وكارثي أيضاً.
الإيحاءُ بأنّ الرواتب لن تُدفَع في الشهر القادم، أو أنّها (في أفضل الأحوال)، سيتمُّ تخفيضها.
الإيحاء بالقدرة التامّة على "إصلاح" الإقتصاد، بل و"تغييره" خلال مُدّة قصيرة جدّاً.
الإيحاءُ بالقوّة.
الإيحاء بالضعف، وقلّة الحيلة.
الإيحاء بالقدرة على ضبط زمام الأمور، وبأنّ كلّ شيءٍ على مايُرام .. والإيحاءُ أيضاً بأنّ كُلّ شيءٍ ليس على مايرام، في الوقت ذاته.
الإيحاء بأنّنا قادرونَ على بناء "دولةٍ" في بضعة أشهر، بينما لم يتمكّن "الآخرون" من بناءها، بل وأضعفوها، طيلة سبعة عشر عاماً.
ونتيجة كُلّ هذا الكمّ الهائل من "الإيحاءات" المتضاربة، هي المزيد من القلق والتوجّس ممّا سيحملهُ المستقبل القريب للناس .. وبالتالي حدوث إنكماش كبير في النشاط الإقتصادي، يقترب تدريجيّاً من الركود، وأرتفاع ملموس وتدريجي في سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وأنخفاض الإنفاق والطلب، وخوف أصحاب المشاريع الصغيرة (التي تقوم حاليّاً بالأنشطة الرئيسة للقطاع الخاص) ممّا سيحملهُ المستقبل القريب من مفاجئات غير سارّة لهم، وإستعداد بعضهم للتوقّف عن العمل في بيئة تفتقر للحدّ الأدنى من ضمان عائد رأس المال، وأحتمال تسريح عشرات الآلآف من العاملين الذين ليس لديهم أيّ فرصة للعمل والتوظيف خارج هذه "المشروعات"، التي لم تعُدْ لدينا "مشاريع" سواها.
الإقتصاد يعيشُ ويتنفّسُ على إيقاع التوقّعات، ويموتُ بـ"السكتة" اذا تمّ تجاهل ردود فعل الناس على "تصرّفات" الحكومة، وإذا لم تُضبَطْ هذه التصرفّات، و"تُسوّقْ" الى الناس بدقة.
تحتاجُ الحكومة إلى شيءٍ من الهدوء، وإلى قدرٍ أكبر من الحكمة، وإلى أن تكفّ عن بناء المتاريس، وإعلان الحرب على جميع الجبهات .. من السياسة، إلى الإقتصاد، وصولاً بـ"جحافلها" إلى مجتمعات و"تنظيمات" ماقبل الدولة .. فهذه "الأهداف" هي أكبر من قدراتها بكثير، وأكبر من المُدّة المتاحة لها للعمل، وبالتالي فهي قد تتسبّبْ في "كَسْرِ ظهرها" في أيّ لحظة.
إعملوا بهدوء على "مصارحة" الناس بحقيقة أوضاعهم الإقتصاديّة، ليس من خلال التهديد والوعيد، وليس بـ"صفعهم" على وجوههم بإجراءات صادمة، وبسياسات وخطط واستراتيجيّات "كرنفاليّة" و "إعلاميّة" ومُستعجَلة .. بل من خلال تعزيز ثقة الناس بكم، من خلال التأكيد على صيانة مصادر الرزق، وأستدامتها .. وإلاّ فأنّ العواقب الإجتماعية والإقتصاديّة والأمنيّة (والتوظيف السياسي لها من قبل "المُعارضين" للحكومة الحاليّة، ستكونُ وخيمة، ووخيمةٌ جدّاً).
أقرأ ايضاً
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
- ما هكذا تُورَدُ الإبلُ يا حكومة السوداني