سالم مشكور
استغربت أن لا يتضمن أول خطاب لرئيس الوزراء المكلّف تعهّداً واضحا بإجراء انتخابات مبكرة. الإشارة جاءت الى نزاهة الانتخابات دون تعهد بموعدها. ربما يكون الامر سهواً وقد يكون عمداً وعدم رغبة في التعهد بما قد لا يمكن الوفاء به في ظل الظروف الموضوعية الموجودة. لكن إذا كان ما ورد في الخطاب من طموحات وأهداف سيرد في البرنامج الوزاري أيضا، فسيحتاج الى دورتين كاملتين وليس الى حكومة مؤقتة مهمتها الرئيسية ضمان اجراء انتخابات قريبة ونزيهة وحرة تصحّح كثيراً من الخلل الحاصل.
لا بأس، فالمقاصد هي الهدف، وإذا ما افترضنا تحقيق ما أشار اليه خطابه الأول من أهداف يتمناها كل عراقي فان الالتزام بالشكليات لن يكون مهماً فحل الازمة لن يكون عن طريق الانتخابات فقط، انما يحتاج الكثير منها الى نهج حكومي سليم بدءاً من طبيعة تشكيل الحكومة مرورا بطريقة عملها وانتهاء بما تقدمه من إنجازات ملموسة.
أن يحظى المكلف بـ"إجماع وطني" على تكليفه، أمر جيد في ظاهره، لكن الشك في المضمون يأتي من أن يكون مصطلح "الإجماع الوطني" أحد العناوين المنمّقة للمحاصصة المقيتة التي بدأت بالمكونات ولم تنته بالأحزاب، بل بفروعها المتوالدة كل يوم، وعلى قاعدة تحاصص المغانم وليس المساهمة في البناء. من هنا يبرز القلق من طبيعة التشكيل وفاعليته وآليات عمله. فما طرحه الكاظمي من أهداف جميلة مثل حفظ السيادة، وأولوية المواطن وكرامته، وسيادة القانون وهيبة الدولة ورفض السلاح خارجها وانصاف الفقراء والمظلومين، تحتاج كلها الى حكومة غير محاصصية، بل حكومة موظفين تتحرك برؤية واضحة وبرنامج عملي، والاهم من كل ذلك قرارات مباشرة وحازمة تذلل العقبات التي عرقلت حتى الان أي انجاز.
هذا الامر يحتاج الى سلوك حازم من رئيس الوزراء ومحاسبةٍ لكل وزيرٍ يعجز او يتباطأ في التنفيذ بعد تذليل العقبات أمامه، وأولها تدخل الفاسدين من أفراد وأحزاب. نحتاج حكومة يكون وزراؤها موظفون عند الشعب يديرهم رئيس الوزراء، تماما كما ورد في خطاب الكاظمي الذي نأمل ان يعكس منهجه وارادته وليس مجرد خطاب كتبه مقرّب منه لكسب الجمهور. إنَّ بقاء الوزراء ممثلين لأحزابهم ومطالبين بتحقيق مصالحها المادية وملئ الوزارت بأقارب السياسيين دون كفاءة، وعدم قدرة رئيس الوزراء على محاسبتهم مجاملة لأحزابهم، فيعني أن الحكومة المرتقبة ستكون إضافة عددية فقط، تساهم في تعميق الازمة ودفع البلاد الى هاوية لا يدرك أحد عمقها وحجم تأثيرها على مستقبل البلاد.
كل هذا مع افتراض أن تكليف الكاظمي يشكل قراراً حقيقيا للكتل الشيعية، وليس مناورة لإبعاد الزرفي، ومن ثم عرقلة التشكيل -ديمقراطياً- وصولاً الى الإبقاء على الحكومة الحالية.
أعوذ بالله من سوء الظن، لكنها السياسة...
أقرأ ايضاً
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية
- العراق وأزمة الدولة الوطنية
- ملاحظات نقدية على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031