- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السلام على ذي الساق المرضوض بحلق القيود/1
بقلم : عبود مزهر الكرخي
الأمام موسى بن جعفر هو سابع أئمة اهل البيت وهو من الأعلام الشاخصة في حياة أهل اليت حيث كانت حياته محط اهتمام الكثير من الباحثين والعلماء لأنه لم تكن مجرد حياة عادية لأي ولي صالح او عابد بل كانت حياة ملؤها التفاعل والنبض الإنساني في التاريخ الإنساني للبشرية فكانت حياته محطة وسفر خالد في ركب الحضارة الإنسانية بكل معانها العظيمة والسامية. فهو " وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود... إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد... إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم الله "(1).
ومن هنا كان علينا الوقوف على هذا الأمام العابد والزاهد والذي هو سابع أئمة أهل البيت لأنه يمثل سفر خالد في مسيرة أهل البيت ومحطة ومهمة عظيمة من محطات أهل بيت النبوة من محطات النورانية والعلم والسيرة السامية لأهل البيت.
تزامنت أماة الأمام الكاظم(ع) مع قوة السلطة العباسية وبطشها المميز والمعروف في التعامل مع خصومها واكنت بطشها بطش شديد القسوة والاجرام لما عرف به حكام بمي العباس وكان الأمام يعمل بالتقية تجاههم، ولكن ذلك من أن تكون له مواقف شجاعة ومشهودة تمثل بمقاطعة الحكم العباسي وعدم التعامل في أي أمر من الأمور والأشخاص كذلك وكان يوصي أصحابه وخاصته بالعمل بمبدأ التقية، ولهذا لم يعرف أنه لديه مواقف معارضة علانية لسلطة بني العباس الغاشمةولم يكن له أي موقف مساند للثورات العلوية ومن أهمها ثورة فخ مثلاً، ولكم كان يعمل من خلال المناظرات الشرعية والعلمية مع العباسيين وعلماؤهم في العمل على ازالة شرعية الطغمة العباسية الفاسدة وعن حكومتهم. وله مناظرات علميّة مع علماء اليهود والنصارى أتت إجابةً لأسئلتهم. وتمّ جمع ما يزيد عن 3000 من أحاديث الإمام الكاظم (ع) في كتاب مُسند الامام الكاظم وقد رَوى قسماً منها أصحاب الإجماع(2).
ولهذا عمل الأمام على نشر الوكلاء وارساء القواعد لها فتم تعيين أشخاص لها في هذه المؤسسة ومن الثقاة والخلص من أصحابه ومن أجل تعزيز وتسهيل التواصل مع أمامهم.
وقد تم الإشادة بالأمام الكاظم ومدى علمه وفقهه وزهده وبالأخص عبادته من ٌبل علماء الشيعة والسنة. ولقب الكاظم الذي لقب به هو لشدة كظمه للغيظ وعرف بالأمام العابد والزاهد والسيد الرشيد ويحظى الإمام باحترام علماء السنّة باعتبار أنّه عالم وفقيه، ويقصد ضريحه السنّة والشيعة في الكاظمية ببغداد والذي يعرف بالعتبة الكاظمية.
أمامته
تصدّى عليه السلام لمنصب الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام سنة 148 هـ، فكانت مدّة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه عليه السلام خمساً وثلاثين سنة(3). ورغم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قد أوصى - لدواع أمنية ولحفظ حياة الإمام الكاظم عليه السلام - إلى خمسة، هم: أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة(4)، إلاّ أنّ تشخيص الإمام عليه السلام الحق من بين هؤلاء لم يكن بالأمر الصعب على علماء وكبار رجال مذهب أهل البيت عليهم السلام.
دليل إمامته
روى كبار المقربين والمحدثين عن الإمام الصادق عليه السلام تصريحه بإمامة ابنه الكاظم عليه السلام منهم: مفضل بن عمر الجعفي، معاذ بن كثير، عبد الرحمن بن الحجاج، فيض بن المختار، يعقوب السراج، سليمان بن خالد، صفوان الجمال. ومن تلك الروايات ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال يوم ولد الإمام الكاظم عليه السلام: «وهبَ اللهُ لي غُلاماً وهو خيرُ من بَرَأ الله»(5). وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: «وَدِدْتُ أن ليس لي ولدٌ غيرُه حتّى لا يَشرَكَهُ في حُبّي له أحد»(6).
الخلفاء المعاصرون له
عاصر عليه السلام إبّان إمامته أربعة من خلفاء بني العباس، هم : (7)
المنصور الدوانيقي (136- 158 هجرية) المهدي العباسي ( 158- 169 هجرية)
الهادي العباسي ( 169- 170هجرية) هارون الرشيد ( 170- 193 هجرية).
ظهور بعض الفرق الشيعية
والمميز في فترة أمامة الأمام موسى بن جعفر(ع) بتشعّب الفرق الشيعية حيث نشأت في بداية إمامته الفرقة الإسماعيلية والفطحية والناووسية، كما ظهرت الفرقة الواقفية بعد شهادته.
حيث ذهبت طائفة من الشيعة في حياة الإمام الصادق عليه السلام إلى القول بأنّ الإمام من بعده ولده إسماعيل باعتباره الولد الأكبر، ولكن لمّا توفي إسماعيل في حياة أبيه أنكروا وفاته في بادئ الأمر، وقالوا: إنّه حي يرزق، ولمّا يئسوا من حياته ذهبوا إلى القول بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل، ومن هنا سمّوا بـالإسماعيلية.
وذهب فريق آخر إلى القول بإمامة عبد الله الافطح ابن الإمام الصادق عليه السلام عرفوا بالفطحية.
وظهرت فرقة أخرى تسمّى الناووسية؛ وإنما سميت بذلك لأنّ رئيسهم في هذه المقالة رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس.
وهناك فريق آخر ذهب إلى القول بإمامة محمد بن جعفر المعروف بـالديباج.
وبعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام أنكر فريق من الشيعة وفاته، وقالوا: «لم يمت وأنّه مهدي هذه الأمة»، ووقفوا عند الإمام السابع، ولم يؤمنوا بإمامة الرضا عليه السلام، فعرفوا بـالواقفية(8).
ومن المعروف ان الفكرة المهدوية من أساسيات الفكر الشيعي والأمامي بالذات والتي نشأت منذ نشأة التشيع والتي تعود إلى عصر نبينا الأكرم محمد(ص) حيث كانت أحاديثه وكلامه كلها تبشر بظهور الأمام المهدي(عج)الموعود من أهل بيت النبوة واحاديث باقي الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين)ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
فضل زيارته
يوم تشييع الإمام موسى عليه السلام يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الشرائح إلى تشييع ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين على اختلاف طبقاتهم يتقرّبون إلى الله جل جلاله بحمل جثمان سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن إلى المقر الأخير، وقد أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس وهي تتسابق على حمله للتبرك به، فحفر له قبر في مقابر قريش، وأنزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير، وبعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبل إليه الناس تعزّيه وتواسيه بالمصاب الأليم(9). ومن ذلك الحين حتى يومنا هذا واصلت الشيعة وغيرهم من المسلمين التوافد على زيارته والتبرك بمرقده الشريفة لما انتهى لهم من عظيم مكانته، وحثّ الأئمة المعصومين (ع) على زيارته، كالمروي عن الإمام الرضا عليه السلام: «من زار قبرَ أبي ببغداد كمن زار قبرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبرَ أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ أنّ لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلَهما».
وفي رواية أخرى: «زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام كزيارة قبر الحسين عليه السلام»(10).
وفي جزئنا القادم أن شاء الله سوف نتعرض بعض من المحطات المضيئة في السفر الخالد لحياة سيدي ومولاي الأمام موسى كاظم الغيظ باب الحوائج.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب أعلام الهداية. الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).قم المقدسة. منشورات مكتبة الأمام الحسنين. ص 17.
2 ـ أصحاب الإجماع، هو مصطلح في علم الرجال يطلق على مجموعات ثلاث من أصحاب الأئمة عليهم السلام. ، عاصروا الفترة الممتدة من أواخر المئوية الهجريّة الأولى إلى أوائل المئويّة الثالثة، وهم ثمانية عشر رجلاً، اشتهروا بالفقه والحديث. وقد تناولت أبحاث علماء الرجال إمكانية تصحيح كل رواية تُنقل عن أحدهم بطريق صحيح، فتعتبر بذلك الرواية بأكملها صحيحةً ويُعمل بمضمونها، بغض النظر عن أحوال باقي رجال السند بدءاً من أصحاب الإجماع، وصولاً للإمام المعصوم (ع).
3 ـ المفيد، الإرشاد، ج2، ص215
4 ـ الغيبة للطوسي، ص198
5 ـ المجلسي، بحارالانوار، ج 48، ص 2.
6 ـ المجلسي، بحارالانوار، ج 75، ص 209.
7 ـ محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج1،ص100.
8 ـ نوبختي، فرق الشيعة، ص77. رسول جعفريان، حيات فكري وسياسي ائمه، ص 379-384.
9 ـ انظر: حسين الحاج حسن، باب الحوائج موسى بن جعفر، ص83- 84.
10 ـ الكليني، الكافي، ج 4، ص 583.