نـــــــــــــزار حيدر
لقد كشفت الأَزمة الحاليَّة في البلاد عن مدى ضحالة الفِكر والثَّقافة وسذاجة الخِبرة والتَّجربة عند الكثيرين، كما كشفت عن الكمِّ الهائل بعددِ [القافلين] الذين دخلُوا صراعاً عنيفاً بالأَيدي والأَلسُن لا مُبرِّر لهُ مع أَقربِ النَّاسِ إِليهم لمجرَّد أَنَّ رأيهم بالأَحداث إِختلفَ عن رأي [القائد الضَّرورة] مثلاً أَو أَنَّ وجهة نظرهِ تختلف عن وِجهة النَّظر السَّائدة أَو المُتعارَف عليها.
لقد اشتدَّت حملات التَّسقيطِ والتَّخوينِ والطَّعنِ بالشَّرفِ والنَّاموس والعِفَّة والطَّهارةِ في مُجتمعٍ يتخفَّى وراء الشِّعارات الدينيَّة والمذهبيَّة والرَّمزيَّة التاريخيَّة.
كما أَعادت الأَزمة المُجتمع إِلى المُربَّع الأَوَّل سواء على صعيد التَّخندقات أَو على صعيد الولاءات.
فبينما كانَ كثيرُون يُكابِرونَ للقفزِ على الواقع [الإِجتماعي] المريض أَو يخدعُونَ أَنفُسهُم بشعاراتٍ [وطنيَّةٍ] برَّاقةٍ، إِذا بالأَزمةِ أَسقطت أَوراق التُّوت فبدت للجميع سوءاتهِم!.
لقد نضحَ الإِناءُ بما فيهِ وانكشفَ الغِطاءُ، ولعلَّ ذلك من محاسنِ الهزَّاتِ الإِجتماعيَّة التي تمرُّ بها الشُّعوب والأُمم، وصدقَ الإِمامُ موسى بن جعفر الكاظِم (ع) الذي قال؛
{والله لتُغربُلَنَّ ثُمَّ لتُغربُلَنَّ ثُمَّ لتُغربُلنَّ، ويسقطُ مِنَ الغِربالِ خلقٌ كثيرٌ، ولا يبقى مِنكُم إِلَّا الأَندرِ الأَندرِ}.
وهم أَصحابُ العقولِ الذين لا يستأجِرُون عقولَ غيرهِم مهما علا شأنهُم، فالمرءُ بعقلهِ، فإِذا عطَّلهُ لأَيِّ سببٍ كانَ تساوى حالهُ مع حالِ الحيوان الذي قال عنهُ تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
وأَولئكَ هم [القافلُون].
وهذه هي إِحدى أَعظم سُننِ الخالقِ في خلقهِ، الهزَّات الإِجتماعيَّة كأَداةٍ من أَدواتِ الإِختبارِ للتَّمييزِ.
يقولُ تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
وقولهُ تعالى {مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ}.
ومِن علامات [القافُل] هو أَنَّهُ لا يُعلِّق إِذا كانَ كلامكَ مُنسجماً مع توجُّهات [الصَّنم] فذلكَ واجبكَ الذي يجب عليكَ تأديتهُ! أَمَّا إِذا اختلفتَ معهُ بحرفٍ فينتبهَ لهُ ليشنَّ حملاتِ التَّسقيط والهجوم العشوائي وحرُوب الإِستنزاف.
هو كالشُّرطي في وسائِل التَّواصل الإِجتماعي، يُراقب ليُعاقب.
و [القافلُون] [دواعش] محاكِم التَّفتيش.
وهم لا يجتهدونَ بحرفٍ واحدٍ وإِنَّما واجبهُم النَّسخ واللَّصق فقط، مِن دون أَن ينسَون واجب التَّصفيقِ المُستمرِّ لـ [عجلٍ سمينٍ] فاسدٍ وفاشلٍ أَو لـ [قائدٍ ضَرورةٍ] يلزم إِستنساخهُ إِذا هلكَ بسببِ نُدرتهِ.
و [القافلُون] يَبحثُونَ عن أَقلامٍ تحتَ الطَّلب.
وهم أَعظم العقبات في طريقِ الإِنتاج الفكري الذي يقود الأُمم إِلى النُّهوض الحَضاري.
وعندما تجاوزَ المُتنوِّرون تزمُّت [القافلِين] أَنتجُوا فِكراً [إِنسانيّاً] جديداً طوَّر أُوروبا.
وهو الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى [٣] أَدوات؛
*مُواصلة التَّجديد الفِكري وعدم الإِستسلامِ والتوقُّف عندَ حدٍّ مُعيَّن.
*الصَّبر والتحمُّل والإِستقامة.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ، فَإِنَّهُ أحْزَمُ لِلنَّصْرِ}.
*السَّعي لخلقِ رأيٍ عامٍّ متنوِّر لصالحِ التَّجديد والتَّحديث الفكري يُساهمُ في مُحاصرة [القافلين] والتَّقليل من شأنهِم وتأثيرهِم في المُجتمع.
إِنَّ تأثيرهُم محدوداً إِذا كانَ الشَّعبُ مُثقَّفاً وواعياً.
فعندما أَهدرُوا دم عالِم الإِجتماع الدُّكتور علي الوردي بسبب رأيهِ في طبيعةِ المُجتمع فإِنَّما عرقلُوا النموَّ الحضاري إِلى حينٍ، ولكن؛ وبعد أَقل من أَربعةِ عقودٍ من الزَّمن عادت كتب الوردي تُطبع في النَّجف الأَشرف [مصدر فتوى إِهدارِ الدَّم حينها على يدِ العسكري مؤَسِّس حزب الدَّعوةِ الإِسلاميَّة] وفي قُم المُقدَّسة لتغزو السُّوق بالإِضافةِ إِلى المكتبات الشخصيَّة لـ [لقافلين] أَنفُسهُم.
*يتبع...
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com