- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المَلاك والتِنّين في إتّفاقاتِ العراقِ مع الصين
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
لنْ يكونَ ما سأكتبهُ هنا، دراسةً أو "تحليلاً"، أو حتّى مقالاً، عن "الإتّفاقيّة" العراقيّة – الصينيّة.
ويعودُ عَجَزي عن القيام بذلك، إلى أنّني لا أمتلِكُ أيّ وثائق رسميّةٍ حول هذا الموضوع، وبالتالي فأنا لا أعرفُ شيئاً لم يعُدْ يعرفهُ الآخرون عن هذه "الإتّفاقيّة".
وما أعرفهُ هو فقط ماتمّ ذكرهُ في وسائل الإعلام المختلفة (بما في ذلك الكتابات والإيضاحات، واللقاءات التلفزيونيّة، والبرامج الحواريّة، للمعنيّينَ بها بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مباشر).
لو كنتُ أعرفُ تفاصيلَ إضافيةً وضروريّةً ورصينةً وواضحةً بصدد ذلك.. لكنتُ كَتَبت.
مع ذلك.. فإنّني، وبالإستنادِ لهذه المعلومات والبيانات الشحيحة (فقط)، أود أنْ أُبيّن ما يأتي:
- إنّ "تسويق" الحكومة العراقيّة للموضوع (في هذهِ الظروفِ بالذات، وفي هذا التوقيتِ بالذات)، كانَ تسويقاً رديئاً جدّاً.
- إنّ مُقاربة الموضوع من زاوية أنّ هذه"الإتّفاقيّة" تُشَكِّلُ خطوةً أولى وُمهمّة على طريق "الجهاد" ضدّ "إحتلال" القوات الأمريكيّة للعراق، وردّاً على خرق الولايات المتحدّة الأمريكيّة الغاشم لـ "السيادة" الوطنية، وأنّها "صفعة" في وجه الإمبرياليّة الأمريكيّة ومصالحها في المنطقة والعالم، هي مُقاربة بائسة بجميع المقاييس.
فالصين دولة إمبرياليّة صاعدة هي الأُخرى. و الإمبرياليّات "الصاعِدة" هي إمبرياليّات أكثرُ شراسةً وشراهةً من الأمبرياليّات القائمة، والمُنافِسة لها حاليّاً. ولو تمكنّتْ الإمبرياليّة الصينية من العالم، فربما سنرى توحُشّاً وبشاعةً في التعامل مع الدول الضعيفة والمُتخلّفة والتابعة، أكثرُ بكثيرٍ مما عرفناهُ وأختبرناه حتّى هذه اللحظة.
- تمَّ زجّ الكثير من عناصر التشويق والإثارة (المُرتبطة بسرديّات نظريّة المؤامرة) في هذا الموضوع.
وهذا يعكس حجم وعُمق الإرتباك وإنعدام الثقة (الذي نمرُّ بهِ جميعاً الآن) حولَ أيّ شيءٍ، وكُلّ شيء، تقوم بهِ "الدولةُ" العراقيّةً الراهنة، وليسَ حولَ هذهِ "الإتّفاقيّةِ" فقط.
- لَمْ يُجِبْ أحدٌ من الذينَ تحدّثوا بحماسةٍ منقطعة النظير عن "فضائل" الإتّفاقيّة، عن سؤالٍ إساسيٍّ بهذا الصدد، وهو: ما هي مصلحة الصين في هذا كُلّه، في نهايةِ المطاف ؟
إنّ الصين ليست جمعيةً خيريّة، ولا مَصَحّةً لمعالجة عِلل الإقتصادات المُتعثِّرة، ولا "نبيّاً" يُقدّمُ سُبُلَ الخلاصِ لليائسينَ دونَ مقابل.. و هي بذلكَ لا تَهِبُ العطايا والإحسان للمُحتاجينَ لوجههِ تعالى.. وليست أيضاً على استعدادٍ (تحتَ أيّ ظرفٍ كان)، لأن تكونَ ملاذاً آمناً للدول الفاشلة.
واستناداً لمنطق المُدافعين عن "الإتّفاقيّة"، فقد سمعنا الكثير عن "إيجابيّاتها" الكثيرة، وكُلفتها الواطئة، ومنافعها الضخمة، ولكنّنا لم نعرف منهم ما الذي تريدهُ الصين من العراق مقابل ذلك.
إنّ الصينَ دولة، تُدافعُ عن مصالح أُمّة، وهي تتصرّفُ في علاقاتها السياسية والإقتصاديّة الدوليّة على هذا الأساس، وبالتالي فإنّ معرفة "الدافع" الرئيس الذي يجعلُ الصين ملتزمةً (على المدى البعيد) بالشروط العامة و"المُلتَبِسة" لبنود هذه "الإتّفاقيّة" (إنْ وُجِدَت) هو ركنٌ أساسيٌّ لفهمِ الأمرِ برمّته.
- لا يمكنُ الدفاعُ عن هذه"الإتّفاقيّة"، أو "الإتّفاق"، أو "مذكّرات التفاهم"، بالتعامل معها على أنّها مُجرّد إيداع ماقيمتهُ مائة ألف برميل من النفط (يتمُّ استقاطعها من بحر الفساد المترامي الأطراف)، لتمويل مشاريع التنمية في العراق، وبالتقسيطِ المُريح.
إنّ هذا تبسيطٌ مُخِلٌّ للموضوع، ومُصادرَة للمطلوب، وينُمُّ عن سذاجةٍ في الطَرْح.
والكثير من العراقيّينَ،"المُتَوَتِّرينَ" جدّاً الآن، يرونَ في ذلكَ "تمويهاً" يعكِسُ إحراجاً حقيقيّاً للمدافعينَ عن "إيجابيّاتِ" الإتّفاق العراقي الصيني، وكُلفتهِ الواطئة جدّاً، مُقابلَ عائداتهِ العظيمة جدّاً.
إنّ هذا هو ما يجعلُ "فأرَ" الإتّفاقيّة، يلعَبُ في "عِبِّ" العراقيّينَ، الذينَ تتقافَزُ في "عِبِّهم" الآن آلافُ الفئرانِ المُنفلتةِ من كُلّ ضابط، والتي تفعلُ بهم الأعاجيب، دونَ حسيبٍ ولا رقيب.
أخيراً.. فإنَ تفسيرَ ماحدثَ، ويحدثُ لنا، هو أكبرُ بكثير، من قدرتي على الفِهم.
أنا لا أعرفُ (وبصدقٍ تامّ)، ما هذا الذي يحدثُ لنا بالضبط، وإلى ماذا، وإلى أين، يمكنُ أنْ تقودنا هذه الفوضى في نهاية المطاف.
كُلّ ما أعرفهُ، وأهمُّ وآخرُ ما أعرِفهُ الآن، هو أن الأموال المصروفة على عمليّة "الإعمار" في العراق "الجديد" كانت قد بلغت خلال المُدّة 2003-2012 فقط (وعلى وفق بيانات البنك الدولي)، 222 مليار دولار.. منها 126 مليار دولار تمّ إنفاقها من خلال الموازنة العامة للدولة، و96 مليار دولار منها، تمّ انفاقها من خلال سلطة الائتلاف المؤقتّة، والحكومة الأمريكية، والمنظمات الدولية، والمانحين الأجانب... وأنّ النتائج المتحقّقة على أرض الواقع كانت كما يأتي:
* نسبة الإنجاز (التنفيذ) السنوي للمشاريع المموّلة من قبل الموازنة العامة للدولة، وبمبلغ 126مليار دولار (خلال المدة المذكورة)، هي 5% فقط.
* نسبة الإنجاز (التنفيذ) السنوي للمشاريع المموّلة من قبل الممولّين الآخرين "الأجانب" المشار اليهم في أعلاه، وبمبلغ 96 مليار دولار هي: صفر.
ماالذي يمكنُ أن تفعلهُ الصينُ لنا.. بعد كُلّ هذا الذي فعلناهُ بأنفُسِنا؟
ما الذي بوسع الصين أن تفعلهُ، لإعمارِ هذا الخراب؟
إنّ "التنّينات" التي تلعبُ في "عِبّنا" الآن، هي قطعاً ليست "تنانينَ" صينيّةِ الصُنْع.
إنّها "تنانينُ" عراقيّة، من صُنعنا نحنُ.. ونحنُ من قام برعايتها، ونحنُ من كان حريصاً على نُموّها.. و نحنُ من قامَ بإعادةِ إنتاجها طيلةَ ستة عشر عاماً، و بكفاءةٍ كاسحة.
لا أعرفُ الآنَ شيئاً (أعتقدُ أنّهُ ما يزالُ مُهمّاً)، غير هذا الذي كتبتهُ لكم آنفاً.
لا أعرفُ شيئاً أكثر من هذا.
لو كنتُ أعرفُ.. لكَتَبت.
سلاماً.. وأمناً.. ومحبة.