بقلم: د. حسين القاصد
مرت البلاد بأزمة كبرى هددت كل مقدرات الحياة فيها، وسالت على أثرها الدماء وأسفرت عن ضحايا بين شهداء وجرحى، من كلا الطرفين، المتظاهرين والقوات الأمنية ؛ لكن لابد من قراءة الرسالة التي وصلتنا من الأحداث الأخيرة، وهي رسالة واضحة جدا، تنص على أن المواطنين لم يعد لديهم الصبر الكافي، بعد أن فقدوا الثقة بكل شيء وهم يشاهدون كل شيء يخضع للمحاصصة على حساب الكفاءة والأولوية، وكل الوظائف تذهب الى اصحاب المحسوبيات ؛ أما من ليس لديه علاقة بمسؤول أو جهة سياسية عليه أن يتأقلم مع كل أشكال التعسف التي يعانيها في حياته اليومية، بدءا من تفاقم ظاهرة حيتان الفساد لا سيما في الدوائر الخدمية أو تلك التي تقوم مفارز منها بحلب جيوب الباعة المتجولين او أصحاب البسطيات بحجة الغرامة، ثم تسمح لهم بالعودة بعد أن يدفعوا ما يجب عليهم دفعه، كي يستمر رزقهم بحماية من استلم منهم (الرشوة) الذي يتجول في كل مكان بحثا عما يشي بمخالفة لينقض كمن وجد ضالته، لا لكي يمنع المخالفة بل لكي يتفق مع المخالف مقابل حصة من رزقه.
ومثل هذا الابتزاز ظاهرة اتفاق أصحاب المولدات الذين هم من المتجاوزين على أرض الدولة، لكنهم استفحلوا وتمكنوا من الناس بعد أن حققوا عقدا نفعيا مع دوائر الكهرباء، حيث يقوم موظف الكهرباء بالقطع الفوري على أي شارع تأخر فيه بيت أو بيتان عن دفع اجور المولدة فيضطر صاحب المنزل للدفع، ثم سرعان ما تعود الكهرباء الوطنية وتستريح المولدة بعد أن يتقاسم الطرفان ما سلباه من المواطن المبتلى.
لا شارع يصلح للسير في أغلب مدن العراق ولا سيما العاصمة بغداد، ولا مياه صالحة للشرب ولا ندري ما عمل مديرية اسالة الماء اذا كان المواطن يشتري الماء في بلد الفراتين!.
أما الروتين والمراجعة من الشباك المهين، وهو الشباك الذي غالبا مايكون الكرسي الذي خلفه فارغا لكون الموظفة المختصة تركت مكانها ودخلت في حوارات خاصة مع زميلاتها، أو لأن الموظف ترك الشباك وذهب ليصلي!!.
كي لا تتكرر الأزمة يجب أن تختصر الحلقات المؤدية إلى المسؤول ويجب على الوزراء فتح ابوابهم للموظفين وعامة الناس، فأغلب الخراب يأتي من الحاشية التي تنطق باسم الوزير او النائب او المدير العام.
وكي لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لابد من احترام الكفاءات وأصحاب الشهادات والخبرة، الذين يقضون وقت دوامهم تحت رحمة من لا يعي شيئا سوى انه تولى عليهم بتوصية حزبية أو محسوبية أو قرابة عشائرية من هذا الوزير أو ذاك، فكم من كفاءة وشهادة عليا في البلد تقف في طابور الدخول للدائرة بينما تفتح كل الأبواب المغلقة ويتراكض الحرس لاستقبال صاحب المحسوبية الذي كل مؤهلاته انه جاء بتوصية.
يريد العراقيون بعد تضحياتهم المريرة أن يعيشوا حياة المواطنة الحقة، وينعموا بشيء من الاحترام في كل مفاصل الدولة ؛ وحين يتحقق ذلك، لن يحتاج المسؤول لجيوش الكترونية تطبل له، ولن تحتاج الحكومة إلى البحث عمن حرك الجماهير وشحعهم على التظاهر لكي يحقق كسبا هو الاخر على حساب تضحياتهم وتدمير الممتلكات العامة.
لأن صاحب الاخلاص والصدق في العمل سيحميه وينتخبه عامة الناس ويحفظون له جميل ما قدم من خدمات.