بقلم: عادل الموسوي
"بني عمنا لا تنشدوا الشعر بعدما
دفنتم في صحراء الغمير القوافيا"
مطلع لأبيات رددها الهادي العباسي وهو يتخطى رقاب العلويين مجزرين تتراقص أشﻻئهم تحت قدميه في تلك العاصمة المشؤومة في زمن غابر مضى.
وبمثل تلك الأبيات تقربت أيادي -بزعمها- الى الله بمجزرة نحتاج الى وقت طويل جداً قد يستوعب فسحة الأجل لصياغة بعض كلمات تتناسب مع فاجعتها الأليمة لتصوير ماجرى.
سبايكر... مجزرة هي خلاصة التاريخ بين أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام وأتباع مدرسة أخرى.
في القراءة الخامسة لتلك الفاجعة لن أبكي تلك الأضاحي، فلا فائدة للدموع إن لم تكن دما. سأحاول أن أنظر بزاوية أخرى لم تستهلكها الأقلام والأفلام واللوحات.. سأحاول عرض صور جديدة لمجزرة سبايكر:
-الحاجة الى العمل:
"ان النفس إن أحرزت قوتها إطمئنت"
وأنى لها أن تطمئن وهي لاتجد فرصة للعمل، فمخرجات التعليم العالي ومدخلات السوق، وزارة التخطيط ووزارة العمل، أنواع البطالة ومعدلاتها في العراق، الواقع والطموح وعناوين أخرى جاهزة للندوات والمؤتمرات...
لست مختصاً لكني لا أحتاج المصادر فالأمر ليس تاريخياً بل هو واقع معاش. من المسؤول عن توفير فرص العمل؟! من المسؤول عن إحتكار تلك الفرص؟!
في تلك الفترة -قبل إحتلال الموصل وصدور فتوى الدفاع- لا أظن أن هناك من تطوع -عن عقيدة- للذود عن العراق ومقدساته، وفي تلك الظروف اﻷمنية غير الآمنة من ذا الذي يرغب بالتطوع الى الجيش أو أي من القوات المسلحة؟! وأي والدة ترسل ولدها الى محافظة من تلك محافظات؟!
لاشيء غير الحاجة وهل هناك غير الحاجة، الحاجة التي قد لاتستطيع معها أن تشتري حتى "حاجة بألف أو حاجة بربع"
لقد حرمت تلك الأرواح -الطامحة الى فرصة عمل لتلبية الحاجة- حتى من تنفس الهواء وهو الحاجة المبذولة بالمجان.
-الطموحات:
في العراق لـ"شعب الله المختار" -طبقة من بعض الساسة- طموحاتهم.
وطموحاتنا نحن "شعب الله المحتار" في العراق -متواضعة محورها لايتعدى الزواج وتكوين الأسرة، فإن زادت قليلاً فالأستقلال ببيت صغير وربما سيارة صفراء صغيرة.
تلك الطموحات لتلك المواليد -التسعينية الصغيرة- ذبحت على نهر دجلة، وبعضها طمرت حية في تلك الأرض المشؤومة.
-الأرائك:
الأرائك المريحة وأجهزة تكييف الهواء والأرجل المتدلية فوق الأخرى متحركة ك"بندول" الساعات القديمة ترسم خيالاً واسعاً للتمنطق بطراً وتنتقد بكلمات أحر من تلك الرصاصات التي مزقت تلك الأوصال النحيلة: "لماذا فعلوا كذا؟ لماذا لم يفعلوا كذا؟ لو كنت مكانهم لفعلت وفعلت.." ويسوق أساطيراً من البطولة الخرقاء الرعناء،...لو كان مكانهم!!
مكانكم أيها المتقابلون على أرائك الدنيا، لاتلعقوا دماء الشهداء فأنتم تدخرون محاجم بل قراباً من دماءهم ليوم حسابكم، لا تنكأوا جراحاتهم أرجوكم فهي لاتزال ولم تزل طرية شاخبة. إلتفتوا الى تسريحات رؤوسكم وكي قمصانكم وتلميع أحذيتكم ومواعيد صويحباتكم... كفاكم.
-خفقات القلوب:
يا ترى وفي تلك اللحظة التي أدركتم بها مصيركم، كيف كانت خفقات قلوبكم الصغيرة. لقد كانت قلوبكم طرية ناعمة رقيقة.. عجباً كان بقاؤها على قيد الحياة الى حين موتكم.. أنفاسكم هل كانت سريعة؟ ما كان دعاؤكم وتوسلاتكم للنجاة؟ هل أذهلكم عنها هول ما قبل المطلع؟ أم حالت دونها أنفاسكم اللاهثة، وتلكأتها ألسنتكم البيضاء المتخشبة وشفاهكم الزرقاء اليابسة؟ كيف كنتم تنظرون الى الموت؟ كيف كنتم تتقدمون اليه مطأطئين له الرؤوس مكتوفين له الأيدي؟ الى أي خطوة من الخطوات الى الموت كنتم تأملون النجاة والحياة؟ ما كان وقع الرصاصات في رؤوسكم؟ كيف أحسستم بها؟ هل آلمتكم؟ والسقوط على منصة النحر؟ ورفسة الجزار، هل آلمتكم؟ سقوطكم في الماء مكتوفين؟ شهيقكم زفيركم؟ هل أدرك أن يبتل بالماء ريقكم؟ هل رأيتم أصطباغ النهر بدمائكم؟ في تلك اللحظة... تلك اللحظة هل تقلبت أمامكم صور: اﻷمهات، الأباء، الأحباء..؟ ما أخر صورة لكم من الدنيا؟ ما أول صورة لكم من الآخرة؟ هل كان الموت شاقاً عليكم أم ماقبل الموت؟ في تلك اللحظات هل أحست أمهاتكم بوغزة قلب أو أحساس غريب كئيب؟ هل نعب الغراب أمام دورهن صباح ذلك اليوم؟ بعد كم من الوقت علمن بفراقكم لهذه الدنيا؟
-الجزارون:
قيل هم الموتورون بسقوط "هبل العظيم"، أبناء عشائر "الﻻت والعزى" وبقايا "حزب الشيطان"، وقيل هم التكفيريون السلفيون الإرهابيون "داعش" وقيل... لكن الجامع المانع إنهم أتباع مدرسة أخرى.
يا ترى ما أول فكرة جالت برؤوسكم عند رؤيتكم لإولئك العابرين للسبيل؟ هل هم مقاتلون؟ مسلحون؟ يرتدون زياً عسكرياً؟ جيش؟ شرطة؟ سنة؟ شيعة؟ من كان صاحب الفكرة بالغدر والقتل؟ أم وشجت عليها أصولكم وتآزرت عليها فروعكم؟
وأنت أيها الجزار الملثم، هل سمعت توسلات الضحايا؟ هل شككت ببرائتهم؟ ألم يضعفك أرتجاف حدقات عيونهم؟ صوت أنفاسهم؟ إرتباك اصواتهم؟ لي رقابهم؟ إرتجاف أوصالهم؟ هل بدا لك أن تتراجع ولو للحظة؟ ماشعورك وأنت تلقم الرصاصة؟ ماشعورك وأنت تلمس الزناد؟ كم من أجزاء اللحظات قضيت بين لمسة الزناد وضغطته؟ ألم تتلكأ.. ألم تتردد؟! ماشعورك وأنت تضغط الزناد؟! هل كانت أذنك عند صوت الإطلاقة، أم عينك عند مكان الإصابة أم كانت على الضحية التالية؟ كم قتلت وهل أرهقك القتل؟ هل ندمت ولو للحظة؟ هل شعرت أنه قد فات الفوت ولافائدة من التوقف؟ أم تراك كنت منتشياً بالقتل؟ هل أصابك من دمائهم شيء وهل غسلت يديك وأثوابك؟! هل توضأت وصليت عصر ذلك اليوم؟! أم كانت المجزرة بعد الصلاة؟! هل هومت عيناك بالنوم تلك الليلة؟ هل ترائت لك أشباح الضحايا؟ هل جلست من نومك متمطياً؟ هل بدأت يوما عاديا؟ أراك محترفاً لامكترثاً، هل كانت لك سابقة بالقتل؟ أسرى اﻹنتفاضة الشعبانية مثلاً؟ غيرها؟ هل تعتقد بالآخرة؟ لماذا تضع اللثام على وجهك؟ من من أنت مستح، من ماذا أنت خائف؟
منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الانسان:
مصادر // "أدانت منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الانسان إصدار أحكام بالإعدام على منفذي جريمة سبايكر..."
وكانت المنظمة العربية مستاءة جداً لسوء معاملة المحكومين من سوقهم كالأغنام وضربهم وإسماعهم كلمات طائفية... "أيباخ"
-المحكومون:
كيف بك وقد علمت بأن إسمك ورد في قائمة المطلوبين؟ كم من الأشهر بقيت هائماً خائفاً؟ ما شعورك بلحظة إلقاء القبض، ودخول السجن، والتحقيق، وصدور الحكم، ومواجهة عوائل الضحايا يوم تنفيذ الحكم عليك؟ هل شاهدت أمهات الضحايا؟ هل سمعت أصواتهن ودعواتهن عليك؟ ما شعورك عند صعودك منصة الإعدام، وعند وضع الحبل حول عنقك؟ هل ترك لك المنفذون مجالاً للنطق بالشهادة؟ هل كنت محتاج للنطق بها؟ هل أمهلت ضحاياك النطق بها؟ هل وجدت فرقاً بين ما عاملت به الضحايا وما عاملك به المنفذون؟ ماهو شعور عينيك والحبل قد ضاق؟ ما آخر صورة لك من الدنيا وما أول صورة لك من الآخرة؟ هل علمت أمك بفعلتك وهل علمت بإعدامك؟
لدي صورة أخيرة عن "الشعب المختار" لا أدري إن كنت سأعرضها في وقت لاحق أم لا!
الى روح شهداء العراق المباركة الفاتحة.