بقلم: حسين فرحان
فأتت به وقد لف في خرق القوابل تحمله، تطوف بطفولته حول الضريح الموسد في كنفه الأمام المعصوم، يشم عطر المزار وينصت للصلوات تصدح بها حناجر الزوار.. تلتمع عيناه بأضواء ثريات القباب، مهده يهز في بيت من بيوت الولاء وطينته من فاضل طينة آل النبوة ومعدن الرسالة، مليح فيه بشاشة أهل الجنوب حيث هم ملح الأرض والوعد الصادق وأهل الوفاء.
ترعرع وهو ابن المرجعية وابن الشعائر الحسينية لاينفك عنهما وإن ضيق عليه جلاوزة الانظمة المستبدة.. لم تنجسه جاهلية البعث بأنجاسها ولم تمل به ريح الحركات المشبوهة حيث مالت فهو مرجعي حين قامت ثورة العشرين، ومرجعي حين ظهرت البدع، ومرجعي حين عادت أمية من جديد تحكم بمنهاجها العفلقي ومشروعها الاجتثاثي لكل ما ينتمي ومن ينتمي للحسين ونهجه.. لم يعترف بقضية غير قضيته فهو طائر يطير بجناحين هما (المرجعية العليا والشعائر الحسينية).
حسيني.. شعائري.. مرجعي.. يحمل إرثا كبيرا لقضية كبرى عجز أهل الارض عن إدراك كنهها ومعرفة ماهيتها ووفق هو لحملها.. ومايزال يعبر عنها بتلك البساطة (صورة الإمام على جدران البيوت.. راية عاشورائية.. يد تتخذ من قطعة القماش الخضراء سوارا لها من بركات الزيارة.. تربة.. ومسبحة من طين.. مجلس حسيني ومنبر.. دمعة وعبرة.. موكب وخدمة.. مسيرة لكربلاء وانتظار للفرج.. ومرجع تقليد عالم عامل عادل لكل زمن).
طبع على وجه الأرض قبلة وخر ساجدا شاكرا حيث أدرك تلك الساعة التي صدرت بها فتوى السيد الامام السيستاني فتوى الجهاد الكفائي: (وإن من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم، فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى)، استحضر تراثه بجميع تفاصيله، استعار من ذاكرته صورا قديمة لمراجعه وبعضا من تراثه وحزنه الكربلائي.. اتخذ قطعة القماش الخضراء سوارا وعصابة وأنزل من سطح داره راية العباس ليجعلها على السواتر يرهب بها عدو الله وعدوه.. اخرج سلاحه وارتدى شماغه، وحمل معه جراحات الطف والعطش والخيام، انصت للفتوى وهي تنقذ العراق كأنها صوت الحسين ع: (أما من ناصر ينصرنا).. برز لهجمة الدواعش شاهرا سيفه مجردا قناته طائرا بجناحيه (الشعائر والمرجعية) وهو يختزل حياته بهذه الهيئة المشرفة ويفنيها معلنا أن كيانه طاعة وولاء لقضيته ولمرجعيته من المهد الى الحشد.