بقلم: مازن الزيدي
يفتقر رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الى فريق اعلامي واستشاري يوضح رؤيته وطريقته لتحقيق ما تضمنه برنامجه الحكومي في مختلف المجالات. افتقر عبدالمهدي خلافاً لمن سبقه الى جيش الكتروني يحوّل الاخفاقات الى نجاحات، ويسلّط العدسات المكبّرة على القضايا الروتينية لتبدو انتصارات تاريخية.
يبدو ان رئيس الوزراء يؤمن بالمثل القائل "اعمل ودع عملك يتحدث عن نفسه". لكنه، اي رئيس الوزراء، يغفل عن انه يعمل في بيئة شرسة سياسياً واعلامياً ومعقدة اجتماعياً ونفسياً.
وبالتالي فإن التعويل على العمل الصامت لن يأتي بثماره خصوصا في فترة الـ١٠٠ يوم، التي اعلنها خلال جلسة نيل الثقة.
فهناك كتلٌ متضررة من عبدالمهدي او غير راضية عن ادائه، تستعد لاشهار مباضعها لتشريح الاداء الحكومي بعيداً عن ايّ عوائق او معرقلات على ارض الواقع.
وهناك مجتمع، يعاني من الفقر والبطالة وتردي الخدمات، يرفع باستمرار سقف مطالباته بشكل يومي ولن يتقبل الاعذار والحجّج مهما كانت وجاهتها.
ومن خلال الايام المئة التي قضاها عبدالمهدي في مكتب رئاسة الوزراء، يمكن الحديث اليوم عن رؤية ونهج حكوميين يختلفان عن السابق، رغم وجود اصوات تشكك بذلك جملة وتفصيلاً، وتميل في مقاربتها لحكومة عبدالمهدي الى السلبية المطلقة.
من بين ابرز مرتكزات النهج الحكومي لعبدالمهدي، يمكن الاشارة الى الابتعاد عن التأزيم ومغادرة التوتر السياسي الذي كان سمة اساسية لكل الحكومات الماضية ورؤسائها.
وقد يمثل ذلك الثمرة الايجابية الوحيدة لتجاوز "الكتلة الأكثر عدداً"، التي تجلب معها عادة استقطابات واصطفافات اكلت الكثير من جرف الحكومات السابقة، وحوّلت العلاقة فيما بينها وبين السلطات الاخرى الى علاقة تناحر وتربص دائميين.
حتى اللحظة لم يمرّ عبدالمهدي ولاحكومته باختبار حقيقي لسياسة الابتعاد عن التأزيم والتوتر؛ الذي يتبناه في تمشية امور وزارته. لكن التوتر الذي نشب بين الكتل حول استكمال الكابينة الوزارية، والموازنة العامة، والصراع السياسي الذي شهدته بعض المحافظات على منصب المحافظ، وحتى بالنسبة لادارة الوجود الامريكي على الاراضي العراقية، كلها ملفات شائكة وقابلة للاشتعال، لكنّ تعامل عبدالمهدي اشّر بشكل واضح الى تبنيه لنهج الابتعاد عن التأزيم.
ثاني المرتكزات التي كشفتها ايام عبدالمهدي المئة، يمكن الاشارة الى الاهتمام بالجانب الخدمي، مقابل ابعاد وزارته عن التسييس والمعارك السياسية.
فقد ادى حجم الصلاحيات التنفيذية والاجرائية الواسعة التي يمنحها الدستور لرئيس السلطة التنفيذية والصراع المحتدم حولها، الى انشغال صاحب المنصب بالمعارك بين السلطات التشريعية والقضائية من جهة، وبين القوى السياسية والكتل البرلمانية من جهة اخرى، وابعاده عن الانجاز الخدمي واستحقاقاته. لذا فإن انشغال رئيس الوزراء برفع الصبّات وفتح الشوارع المغلقة منذ ٢٠٠٣، امر في غاية الاهمية للمواطن العادي الذي يقضي ساعات طويلة في الزحامات، ويعاني من اغلاق مناطق مهمة لدواع غير منطقية، وتحكم القيادات الامنية بحياته.
لكنّ ما يؤخذ على هذا التوجه هو تركيزه على العاصمة بغداد، التي بات اهلها يتلمسون ذلك بشكل ولو نسبي، خلافاً لبقية المحافظات التي تشهد تردياً خدمياً واضحاً يفاقمه الصراع السياسي بين اطراف حكوماتها المحلية. وبالتالي لايجب ان يكرّس عبدالمهدي اهتمامه ببغداد، كما كانت الحكومات والانظمة العراقية تفعل، وتناسي بقية المحافظات.
وفي هذا الاطار يندرج الاهتمام بتحسين الحياة المعيشية للمواطن، والتركيز تحديداً على ملفين اسياسين هما تحسين الكهرباء وانهاء ازمتها، واعادة الاعتبار للجواز العراقي وانتشاله من واقعه.
من هنا يبدو ان عبدالمهدي بات يدرك، أن لا حلّ قريباً للازمات السياسية لان بيئة النظام السياسي تساعد على استمرار ذلك.
وبالتالي فإن أقرب طريق للنجاح هو التركيز على الانجاز في الجانب الخدمي والابتعاد عن الصراع السياسي مهما امكن، لان ذلك يمنح المواطن مؤشراً حقيقياً للحكم على الاداء الحكومي.
تأسيساً على ذلك فقد دفع تبني عبدالمهدي الفصل بين الشأنين السياسي والخدمي، دفعه لتفويض بعض صلاحياته الى رئيس الجمهورية؛ لاسيما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية واعادة ترطيب الاجواء بين العراق وجيرانه.
ما تقدم هي مجرد مؤشرات بإمكانها ان تتحول الى مرتكزات جديدة لهذه الحكومة والحكومات القادمة. لكن الرهان يتوقف على استمرار عبدالمهدي في تبني هذه السياسة والتمسك بهذا النهج وتكريسه بشكل اكبر وأوسع، والتزامه بوعده في عدم الترشح وعدم انشاء حزب او قائمة انتخابية في المستقبل.