سالم مشكور
قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، لا يمكن أن يكون قراراً فرديّاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. صحيح أنّ بعض مسؤولي إدارته، وبينهم وزير دفاعه جيم ماتيس، ومبعوثه الى التحالف ضد داعش بريت ماكغورك احتجوا على قرار الانسحاب بالاستقالة، إلّا أن ذلك يشير الى انقسام بين أركان إدارته حول الاجراء. لم يكن الانسحاب إجراءً أميركيا وحسب، إنما اقترن بتطورات أخرى على الصعيد السوري، وكأنه كان صفارة الانطلاق الأميركية لعودة خليجية عربية مفاجئة الى الساحة السورية ولكن من باب الحكم السوري القائم. عادت السفارات الى فتح أبوابها، وبدأ الحديث عن عودة سوريا الى الجامعة العربية، مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية في تونس في شهر آذار القادم، قبل ذلك توقف الدعم لبعض الفصائل المسلحة والأخرى السياسية المعارضة في سوريا، من قبل المحور الذي تتزعمه السعودية فيما بقيت الاتهامات تلاحق قطر بدعمها لفصائل أخرى باتت محدودة التحرك داخل الأراضي السورية.
هذا المشهد ذاته حدث مع العراق قبل عامين، وتحديداً بعيد وصول ترامب الى البيت الأبيض، وبعد بروز دور لجيل جديد من الفاعلين السياسيين في الساحة الخليجية أبرزهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. بداية ظهر أحد منظري المحافظين الجدد "مايكل روبن" في ندوة سياسية في واشنطن ليتحدث عن دور جديد يجب أن تلعبه السعودية في العراق وتحديداً من خلال الانفتاح على الساحة الشيعية، بدل الاقتصار على الساحة السنية، محملا السياسة السعودية السابقة مسؤولية ترك الساحة العراقية للنفوذ الإيراني. بعدها بدأ انفتاح خليجي واسع على العراق، وحديث عن أهمية العراق التاريخية والحضارية واستعداد سعودي – خليجي لتقديم ما يدعّم الأمن والاقتصاد العراقيين، وتمّت دعوة زعيم شيعي بارز هو السيد مقتدى الصدر الى الرياض. ترافق ذلك مع تراجع كبير في التفجيرات الانتحارية في بغداد وباقي المدن التي كانت تحصد آلاف الأبرياء سنوياً، وبدأت داعش في التقهقهر شيئاً فشيئاً، حتى انتهى وجودها العسكري بشكل شبه كامل على الأراضي العراقية.
لم يخفِ أحد من المعنيين آنذاك بأن هدف الانفتاح المفاجئ على العراق هو محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يعتبرون العراق إحدى ساحاته الرئيسية. وإذا كان النفوذ الإيراني في العراق سياسيّاً فإنه يتعدى ذلك في سوريا الى الوجود العسكري المباشر وهو ما لعب دوراً كبيراً في حفظ النظام السوري ومنع انزلاق سوريا الى انهيار ودمار أكثر مما حدث حتى الان. من هنا فان محاصرة هذا النفوذ قد تنجح لو تبدلت المواقف حيال الحكم السوري وتوقف عن دعم المجموعات المسلحة والعودة- بدلا عن ذلك- الى التطبيع مع الحكم القائم أملاً في إلغاء حاجته للنفوذ الإيراني.
من هذه الزاوية يمكن النظر الى الانسحاب الأميركي من سوريا والعودة العربية اليها، لكن السؤال يبقى: هل ستبعد المعادلة الجديدة سوريا عن إيران بوجود حكم الرئيس الأسد؟