- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية العليا وخوارزمية العيش الكريم
بقلم: حسين فرحان
نصيبنا من الدنيا أبيح لنا أن لا ننساه، لهجت به أيات من الذكر وتدعو للحياة فيه آيات أخرى إذا كان الداعي خالق الخلق جل شأنه ومن اصطفاه واجتباه واختاره للوجود بشيرا ونذيرا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ)).
ومن ضرورات هذه الحياة نظم الأمر والحث عليه فكان لأهل بيت الرحمة ما فيه الغنى عن تنظير المنظرين وأصحاب التجارب فدعوا عليهم السلام الى طاعتهم فعدت نظاما للملة فقالت الزهراء ع في خطبتها الفدكية:
"طاعتنا نظاماً للملة و إمامتنا أمانا من الفرقة" ليتبين أن الركيزة للنظام هو طاعتهم وأنه لأمر أكده سيد الأوصياء ع في واحدة من وصاياه "وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُم".
فنظم الأمر ضرورة من ضرورات هذه الحياة بشرط الامتثال والطاعة والاستجابة لله ولرسوله وللائمة الهداة عليهم السلام، فتتحقق بذلك سعادة الدارين إذ تنتفي منغصات الحياة بهذا المنهج الألهي الضامن للعيش الكريم والذي أريد له أن يضيع باجتهادات المدارس الفكرية والاقتصادية والنظريات الاجتماعية التي لاتمت اليه بصلة حيث لايرى أصحابها سوى مصالح شخصية أو فئوية لهم أو لمجتمعاتهم دون النظر في منهج جاء بي الوحي لسعادة البشر.
قضية نظم الأمر قضية دقيقة وحساسة لاتقبل التأويل وهي أكثر دقة من الحسابات الرياضية ولم تخرج تطبيقاتها عن قدرات البشر في التعاطي معها إذ لاتكلف نفس الاوسعها، وفي كل زمان لابد من وجود من يذكر بهذا المنهج ويحث عليه لذلك نرى أن مرجعيتنا الدينية العليا قد دأبت على التذكير بنظم الأمر والحث عليه وأن في خطبها ما ينبه ويشير الى ذلك وفقا للمنهج السماوي المقدس فكانت تنظر الى هذا المجتمع الذي عشعشت في أروقة عيشه الفوضى وأصيبت حياته بالارباك الشديد نتيجة تعاقب الانظمة المستبدة على حكمه وإدخاله في دوامات الحروب والحصار وتدخلات الدول الاخرى، فما كان منها - المرجعية العليا - إلا أن تضع خوارزمية للعيش الكريم لجميع أبناء هذا البلد وهي تنظر للجميع من مقامها الأبوي السامي بنظرة واحدة ترجو لهم جميعا الامن والاستقرار والازدهار، فاتسمت خطبها التي ألقيت من على منبر الجمعة ووصاياها وبياناتها بهذه النصائح المستمدة و المستنبطة من فكر أهل البيت عليهم السلام وهديهم لايرجو صاحبها من هذا البلد وشعبه سوى موضع قبر يدفن فيه وما أراه الا فوزا عظيما أن تكون المرجعية العليا صوتا يرتفع ويعلو بمنهج الحق وأهله.
الأمثلة كثيرة وما دعت المرجعية العليا الى تقويمه من هذا المسار الوعر المتعرج كثير وهي تنظر الى الاستجابة لترى ثمار ما زرعته راجية بذلك أن يقر لهذا الشعب قرار يبصر بعده استقامة الحياة بعد عقود بل قرون من الأعاصير والزوابع والدماء، فتطرقت الى التفاصيل وخاضت في المفردات ووضحت وبينت فانبرت الى طريقة الحكم فرأت ان طريق الانتخابات هو: (وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن اريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا.) وبينت (انه لا بد من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت أي ذريعة او عنوان.) وشخصت في موضع آخر قضية الفساد واعتبرته "ظاهرة في دوائر الدولة"، ودعت الى القضاء عليه بحرب لاهوادة فيها.
وتطرقت في اكثر من موضع الى العشائرية التي طغت واستفحلت فقالت عن المتعصبين (والبعض تاخذه العصبية الجاهلية ويرى سيئات قومه أفضل من حسنات الآخرين) ودعت في موضوع آخر الى الحفاظ على سيادة البلد والعلاقة بين أبنائه (استعادة السيادة العراقية كاملة من الاحتلال، والوحدة بين مختلف مكونات الشعب العراقي بحفظ الأمن السلم الأهلي).
وفي موضع آخر وبعد أن رأت تشبث بعض الساسة بالكراسي والمناصب (حثت المرجعية الدينية العليا الكتل السياسية على ادخال دماء جديدة في قوائمها الانتخابية المشاركة في الانتخابات النيابية)،كما دعت الى أن تكون الانتخابات مستقلة دون تدخلات (يؤكد على ضرورة منع التدخل الخارجيّ في الانتخابات البرلمانية من خلال الدعم المالي أو غيره، ويدعو القوائم الانتخابية إلى التنافس على أساس البرامج الاقتصادية والخدمية وبعيدا من الشحن الطائفيّ).
وبينت أن المسؤول هو بمثابة الخادم لهذا الشعب واشترطت فيه شروطا (ضرورة احترام الزمن بالقول "عندما اريد ان اخدم لابد ان اضع عامل الزمن امامي، لا يمكن ان اخدم والوقت مفتوح فلابد من تحديد سقف زمني" مع مراعاة الكفاءة والاستعانة بأدوات جيدة وان الخدمة عمل وليس شعارات.
واعطت في موضع آخر حلولا اقتصادية للحكومة وكمثال على ذلك: (وعلى الحكومة التوجه نحو القطاع الخاص ودعمه لتوفير فرص عمل لجميع شرائح ابناء المجتمع).
وأولت الشباب اهتماما خاصا (فأعربت في وقت سابق عن قلقها من اتساع ظاهرة هجرة الشباب العراقي الى الخارج، وفيما حذرت من إفراغ العراق من الطاقات الشبابية، دعت الشباب الى إعادة النظر بخيارتهم). وأشارت الى مسؤولية الدولة عن الشباب بقولها (الدولة كدولة مسؤولة على أن تجعل الشباب يحبون البلد من خلال توفير فرص عمل لهم، كونها ليست قضية كمالية وإنما قضية أساسية).
و (الشباب الذين يتربون على محبة أوطانهم ستجدهم يندفعون الى السواتر بمجرد إشارة وبالنتيجة سيحمي البلاد والعباد لأنه تربى على شيء مقدس وهو وطنه).
وكان للكفاءات نصيبها من اهتمام المرجعية فقد شددت (على ضرورة الحد من انتشار ظاهرة الامية والاهتمام بالصناعة والعمل على جلب الاطباء المهاجرين والحفاظ على الموجودين داخل البلد والاهتمام بهم، مشيرة الى ضرورة تشريع القوانين وتخصيص الاموال اللازمة لهذه الامور).
وكان لظاهرة انتشار السلاح دون رقابة وحصر موضع اهتمام في وصايا المرجعية فأكدت (على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة والاستعانة ببعض الطاقات الشبابية في المنظومة الامنية ضمن الاطر الدستورية والقانونية).
هذه بعض الأمثلة وهي جزء يسير مما دعت اليه المرجعية ذكرناه لبيان دورها الرائد الأبوي وهي تضع خوارزمية العيش الكريم لابناء هذا الشعب ولكي لايتحدث ويثرثر البعض بأن المرجعية الدينية العليا ليست على دراية بما يجري وبما تدور من أحداث تستدعي الاشارة والحث والاستنكار ولو وصل الامر الى الفتوى حين تتعرض المصالح العليا للخطر دون أن ننسى تلك الفتوى التي ألقت بالدواعش في مزبلة التاريخ.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود