- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصرخة الحسينية / الجزء السابع
بقلم: عبود مزهر الكرخي
والآن لنستعرض عينة من الثلة المباركة لنعرف انهم هل كان لهم صرخة حسينية تتناغم مع امامهم وقائدهم الأمام الحسين(ع)؟ والذين نخبة طيبة ومنتجبة تربت على أيدي في الأول الأمام أمير المؤمنين(ع) ثم ليكون لهم جولة ونصر لأبنه خامس أصحاب الكساء أبي عبد الله وكانوا وبحق نعم الأنصار ونعم الصحابة فكان طريق التضحية وبذل المهج من أجل أمام زمانهم هو نهجهم ومن أجل رفعة الإسلام وتصحيح مسيرة الانحراف التي شابت الإسلام المحمدي وبنصرة أبن بنت رسولهم والذي كان يحمل رسالة سماوية حملّها له الله سبحانه وتعالى ومن بعده جده الرسول الأعظم محمد(ص). ولهذا لندخل الى الموضوع مبحثنا وجزئنا الحالي.
أبا الفضل العباس (عليه السلام):
وهذه الشخصية التي تكنى بكنى عديدة ولكن أحب إلى نفسي هي قمر بني هاشم فهو بطل مغوار قلما أنجب التاريخ مثله وواسى أخوه الحسين (ع) في واقعة الطف وكان نعم الأخ النجيب لأخيه والمدافع الأمين وأذهل الأعداء ببسالته النادرة ويصف الباحث والمؤرخ محمد باقر القريشي هذه الشخصية الفذة بقوله ((وبرز أبو الفضل العباس (عليه السلام) على مسرح التاريخ الإسلامي كأعظم قائد فذّ لم تعرف له الإنسانية نظيراً في بطولاته النادرة بل ولا في سائر مُثله الأخرى التي استوعبت ـ بفخر ـ جميع لغات الأرض.
لقد أبدى أبو الفضل يوم الطف من الصمود الهائل، والإرادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد، وهزمهم نفسيّاً، كما هزمهم في ميادين الحرب. أن بطولات أبي الفضل كانت ولا تزال حديث الناس في مختلف العصور، فلم يشاهدوا رجلاً واحداً مثقلاً بالهموم والنكبات يحمل على جيش مكثّف مدعّم بجميع آلات الحرب قد ضمّ عشرات الآلاف من المشاة وغيرهم فيلحق بهم أفدح الخسائر من معداتهم وجنودهم، ويقول المؤرخون عن بسالته ـ يوم الطف ـ إنه كلما حمل على كتيبة تفرّ منهزمة من بين يديه يسحق بعضها بعضاً قد خيّم عليها الموت، واستولى عليها الفزع والذعر قد خلعت منها الأفئدة والقلوب، ولم تغن عنها كثرتها شيئاً. أن شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه مما تدعو إلى الاعتزاز)).(1)
لا شك أن انفراد العباس عليه السلام بمقام خاص دون سائر الشهداء مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يدلّ على مكانة خاصة ومميّزة لذلك العبد الصالح عند الله عزَّ وجل، ولا شك بأن الكرامات المعروفة عنه أيضاً والمشهورة والذائعة الصيت بين الجماهير الموالية لأهل بيت العصمة عليهم السلام تشير إلى ذلك، وكذلك انفراده بزيارة خاصة إلى جانب زيارة الإمام الحسين عليه السلام وعلي الأكبر والشهداء تدلّ بوضوح لا مزيد عليه على عظمة تلك الشخصية المتفرّعة من الشجرة العلوية المباركة صنو النبوّة وتوأمها في الجهاد الكبير المؤسس لمسيرة الإسلام.
ومما يؤسف له أن سيرة العباس عليه السلام لا نملك منها الشيء الكثير من التفاصيل، إلاَّ أن مواقفه الرسالية الثابتة والقوية في كربلاء وتضحيته واستبساله في الذود عن الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده في المعركة تعطينا صورة واضحة لا غبار عليها، خاصة إذا لاحظنا أنه كان حامل اللواء في معسكر الإمام عليه السلام والمعلوم أن حامل اللواء عادةً يكون من أوثق الناس وأشدّهم إيماناً بمبادئه وأقواهم مراساً وعراكاً وخبرة في القتال.
من هنا نرى أن الإمام الحسين عليه السلام لم يفرّط بالعباس من أول المعركة، وإنما تركه إلى جانبه حتى المرحلة الأخيرة من مجرياتها، وكان أغلب من هم مع الإمام عليه السلام سواء من أصحابه أو من أهل بيته قد نالوا درجة الشهادة الرفيعة وارتحلوا إلى الله العلي القدير أما الوقفات التاريخية التي سجَّلتها وقائع السيرة الحسينية للعباس سلام الله عليه.
وعندما سار الأمام العباس مع ركب المنايا إلى كربلاء كان هو حامل اللواء وحارس أخيه لأمام الحسين وكفيل أخته الحوراء زينب الذي كان هو من يركبها الى الهودج وليصل إلى كربلاء.
السقاء:
وفي كربلاء أصابه الحزن والأسى وهو أبو الفضل العبّاس كأشد مايكون من الحزن واللوعة وهو يرى العيال وأهل البيت يستغيثون من العطش حين ذلك قام السقاء روحي له الفداء بجلب الماء إلى معسكر الحسين وبالقوة والحادثة كما يرويها العلامة باقر القريشي " وقد صحب معه ثلاثين فارساً، وعشرين راجلاً، وحملوا معهم عشرين قربة، وهجموا بأجمعهم على نهر الفرات وقد تقدّمهم نافع بن هلال المرادي وهو من أفذاذ أصحاب الامام الحسين فاستقبله عمرو بن الحجاج الزبيدي وهو من مجرمي حرب كربلاء وقد اعهد إليه حراسة الفرات فقال لنافع:
« ما جاء بك ؟.. ».
« جئنا لنشرب الماء الذي حلأتمونا عنه.. ».
« اشرب هنيئاً.. ».
« أفأشرب والحسين عطشان، ومن ترى من أصحابه ؟. ».
« لا سبيل إلى سقي هؤلاء، انّما وضعنا بهذا المكان لمنعهم عن الماء.. ».
ولم يعن به الأبطال من أصحاب الإمام، وسخروا من كلامه، فاقتحموا الفرات ليملأوا قربهم منه، فثار في وجوههم عمرو بن الحجاج ومعه مفرزة من جنوده، والتحم معهم بطل كربلاء أبو الفضل، ونافع بن هلال، ودارت بينهم معركة إلاّ انّه لم يقتل فيها أحد من الجانبين، وعاد أصحاب الامام بقيادة أبي الفضل، وقد ملأوا قربهم من الماء.
لقد أروى أبو الفضل عطاشى أهل البيت، وانقذهم من الظمأ، وقد منح منذ ذلك اليوم لقب (السقاء) وهو من أشهر ألقابه، وأكثرها ذيوعاً بين الناس كما أنّه من أحبّ الألقاب وأعزّها عنده "(2).
الفادي، بطل العلقمي
رفضه لأمان الأمويين:
وهذا ما تكرّر مرتين، ففي المرة الأولى أرسل ابن زياد أماناً للعباس وأخوته بسبب توسُّط أحد أخوالهم، إلاَّ أن العباس عليه السلام أجاب عن ذلك بقوله:
" أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان، أمان الله خير من أمان ابن سمية "، والمرة الثانية كانت في اليوم العاشر عندما نادى الشمر(لعنة الله عليه)أين بنو أختنا، أين العباس وأخوته؟ إلاَّ أنهم أعرضوا عنه، فقال الإمام الحسين عليه السلام أجيبوه ولو كان فاسقاً، فأجابوه وقالوا: ما شأنك وما تريد؟ قال: يا بني أختي أنتم امنون لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد، فقال العباس عليه السلام:{ لعنك الله أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء }. وعن هذا الموقف يقول العلامة القريشي " وولّى الخبيث خائباً فقد ظنّ أن السادة الأماجد اخوة الإمام من طراز أصحابه الممسوخين الذين باعوا ضمائرهم على ابن مرجانة ووهبوا حياتهم للشيطان، ولم يعلم أن أخوة الحسين من أفذاذ الدنيا، الذين صاغوا الكرامة الإنسانية، وصنعوا الفخر والمجد للإنسان "(3).
فهذا الموقف للأمام العباس هو موقف بطولي وشجاع وهو يدل على صرخة منبثقة من الصرخة الحسينية ومعادل لها في رفض الظلم والباطل والسير مع الحق والعدل والممثل في السير مع أخيه وامامه الامام الحسين(ع).وهذا الموقف المشرّف من العباس عليه السلام حري بالمؤمنين الملتزمين المجاهدين أن يكون لهم درساً بليغاً عندما يكونون في ساحات القتال ضد الأعداء وتعرض عليهم أمثال ذلك النوع من الأمان الكاذب من القتل، لأن الاستجابة لمثل تلك النداءات الخبيثة هي الخسارة الكبرى. وهو ما يؤشر أن الأمام العباس(ع) كان الصرخة الثانية في معسكر الحسين والقوية وعلى كل الأصعدة لذا فهو يعتبر الساعد الأيمن لأبي عبد الله وسنده القوي وظهيره الذي لايستغني عنه أبداً وصدق أمير المؤمنين عندما قال في حق العباس لأخيه عقيل { ا أخي أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا وأشار إلى الحسين (عليه السلام) ليواسيه في طف كربلا).(4) وقد كان فعلاً نعم الأخ المواسي. والذي في الزيارة المأثورة لأبي الفضل تقول "... اَشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاِخيكَ فَنِعْمَ الاْخُ الْمُواسي... فَنِعْمَ الصّابِرُ الْمجاهِدُ الْمُحامِي النّاصِرُ وَالاْخُ الدّافِعُ عَنْ اَخيهِ، الْمجيبُ اِلى طاعَةِ رَبِّهِ...).
فهذا الطراز من المجاهدين هو من الطراز الذي لامثيل له في التاريخ والدفاع عن أخيه والاستشهاد عن أخيه كان دفاع عن المبادئ العليا التي رفعها أخيه الأمام الحسين من اجل نصرة الحق وإقامة لدولة العدل والمساواة الإسلامية القائمة على الحق والعدل والمساواة، ولهذا كان استشهاد العباس كان من أجل رفع قيمة الإنسان ورفع حريته وكرامته ونشر الإسلام المحمدي في المجتمع الإسلامي وليكون هذا الدين دين محبة ورحمة وتسامح بين الناس أجمعين، وبالتالي بناء مجتمع خال من الظلم والجور لايكون فيه للمسلم أي خوف أو ظلم من حاكم ظالم وجائر. ومن هنا رفع أبي الفضل العباس (روحي له الفداء) مشعل الحرية الكرامة والفداء عالياً ليقود قوافل الشهداء الأبطال من أهل بيته والأنصار المنتجبين ليرفع راية الحق في ميادين العزة والشرف ولنصرة الشعوب الإسلامية والمضطهدة من جور بنو أمية وحكمهم الظالم والجائر، وكان جهاد الأمام العباس جهاد من أجل رفع كلمة (لا اله إلا الله) عالياً وكان ساحات الوغى والقتال هي من ترجمت رفع تلك الراية والتي بهذه الراية كانت منهج سامي وعالي المضامين للبشرية للعيش بكرامة وحرية وعدالة. وكان بحق من تنطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.(5)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ العباس بن علي (عليهما السلام)رائد الكرامة والفداء في الإسلام. تأليف باقر شريف القريشي. تقديم الكتاب ص 11. منشورات مكتبة الحسنين.
2 ـ نفس المصدر ص 174 ـ 175.
3 ـ نفس المصدر ص 179..
4 ـ تاريخ الطبري: 5 / 153. شوشتري، قاموس الرجال: ج12، ص196. نقلا عن عمدة الطالب، ص357. المقرم، قمر بني هاشم: ص5. نقلا عن عمدة الطالب، ط نجف، ص349. للمقرم كلام طويل في تبرير سؤال الإمام عقيلاً رغم علمه حسبما يعتقده المقرم
5 ـ [الأحزاب: 23]
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول