عباس الصباغ
الحراك السياسي / الديمقراطي الذي تم الشروع به منذ الانتخابات النيابية وماتمخض عنه من مآلات افضت الى انتخاب رئيس للبرلمان اولا ورئيس للجمهورية ثانيا واخيرا انتخاب رئيس للحكومة الذي انبثق من الكتلة الاكبر دستوريا، وتلك الخطوات تمت بطرائق ديمقراطية ودستورية وقانونية شفافة وسلسة بعيدا عن اي تدخل خارجي اقليميا كان ام دوليا ولم تفرض اية قوة عظمى ارادتها او مزاجها على مجريات ذلك الحراك الديمقراطي، وهو مايسمى بالتداول السلمي للسلطة وفي اجراء لم يكن متعارفا عليه في السياقات السياسية في العراق سواء على مستوى المجتمع السياسي او الاهلي، إذ حُرم منه الشعب العراقي ولعقود عجاف ذاق فيها الامرّين من الاجندات الخارجية المريبة والتي فرضت نفسها بالحديد والنار مدعومة بسيناريوهات مشبوهة كانت تفرضها قوى خارجية وكانت تمسك بقواعد وخيوط اللعبة السياسية في هذا البلد، وطيلة العقود السابقة كانت كرة السلطة يتقاذف بها لاعبون من مشارب سياسية شتى وفي ملاعب عديدة كان ختامها الانقلاب البعثي الدموي والاسود في صبيحة السابع عشر من تموز 1968 بتداول دموي للسلطة ارجع العراق الاف السنين الى الوراء بعد ان حكمه بسياسة الحديد والنار وبنمط من التوحش لم تعرف بلدان العالم مثيلا له الى ان حدث الزلزال النيساني الكاسح والذي اطاح بآخر تداول لاسلمي للسلطة في تاريخ العراق الحديث وجاء باول تداول سلمي لها وهو ماصار عرفا ومنهجا سياسيا وثقافة تتقبلها النخب السياسية فضلا عن الشارع لان عملية التداول السلمي للسلطة انما هي ثقافة سياسية وجماهيرية في ان وهو مايجري في العراق الان .
ويعد مبدأ التداول السلمي للسلطة ابرز سمات الانظمة الديمقراطية، وهو يقوم على اساس انتقال السلطة بطريقة ديمقراطية وبدون اي خلافات او صراعات دموية، ويرى البعض ان من شروط التداول السلمي للسلطة هو وجود انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة يتم في ضوئها القبول بالنتائج ومن ثم انتقال السلطة من الحاكم الى الذي سيفوز بالانتخابات وفق النهج الديمقراطي وايضا هو ليس اليات دستورية او سياسية فقط وانما هو ثقافة ومنهج يلتزم به اغلب السياسيين كما هو معهود به في الديمقراطيات العريقة فالسلطة ليست مغنما او مكسبا فئويا لحزب او شخص او عشيرة او حتى منطقة، بل هو تكليف شعبي عام يناط بمن يتصدى للأمور ويكون صاحب القرار وبالأليات الديمقراطية الرصينة والشفافة تتجلى باجراء انتخابات حرة يدلي الشعب خلالها بصوته من خلال صناديق الاقتراع السري مع متابعة ومراقبة مباشرة من قبل الجهات الدولية لضمان نزاهتها ليتم ترجمة فكرة ان الديمقراطية حكم الشعب عن طريق ممثليه وليس عن طريق اخر غير ديمقراطي او لاسلمي والى هذا الامر اشار الدستور الدائم ضمنا ( المادة (6):- يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور) والانتخابات هي من ضمن تلك الاليات .
ان حالة التداول اللاسلمي للسلطة في العراق وفي العقود الاخيرة تسببت في اهدار الكثير من الفرص التاريخية التي كانت متاحة للعراق في سبيل اقامة دولة مدنية وعصرية وتحقيق الحدود الدنيا من التنمية المستدامة والرفاهية الاقتصادية والانسجام الاجتماعي والاستقرار السيكولوجي للفرد العراقي، ولبلد يزخر بالكثير من الموارد الاقتصادية ويرفل بالعديد من مقومات وامكانات الدول الناجحة والتي تؤهل العراق ليتصدر دول العالم الثالث او في الاقل ليخرج من هذا التوصيف العالمثالثي، والدخول الى مصاف العالم الثاني كدول النمور الاربعة الاسيوية وبعض دول الخليج كالامارات العربية المتحدة وغيرها، ولكن بسبب عدم الاستقرار السياسي / السيوسولوجي المتاتي من ظاهرة التداول اللاسلمي للسلطة لم تتح للعراق اية قفزة نوعية تنقله الى مصاف تلك الدول فبقي يرزح في اخر سلم دول العالم الثالث، كما ساهم التداول اللاسلمي للسلطة في تشظي النسيج المجتمعي العراقي في متاهات الايديلوجيات المستوردة والبعيدة كل البعد عن واقع المشهد العراقي وخلق مناخا سايكلوجيا / سيوسولوجيا غير مستقر على وتيرة وطنية واحدة ويبقى الامل معقودا بالنخب السياسية ان ترسّخ مبدأ وثقافة التداول السلمي للسلطة كي يبقى فلسفة سياسية متوارثة لعراق ناهض.