- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عقوبات ، و مصالح ، و رئيس وزراء قادم ، واقتصاد جديد
بقلم | د. عماد عبداللطيف سالم
اقتصاديّاً..
فإنّ العراق، مع سلسلة العقوبات الأمريكية الأخيرة على ايران، هو ليس العراق كما كان قبلها.. ولا يُفترَضُ بهِ أن يكون كذلك.
وهذا يعني..
أنّنا لا نستطيع ادارة الاقتصاد داخليّاً، بالتفاعل مع محيطنا الاقليمي، وامتدادنا الدولي، ولا رعاية مصالح متوازنة مع أصحاب المصلحة والتأثير والنفوذ، بذات السياسات، وذات المناهج، وذات المقاربات السابقة، التي تفتقر الى المعنى والهدف، والخالية من أيّة رؤى، تتضمنُ نهايةً واضحةً للمرحلة الانتقالية التي طالتْ اكثر مما يجب، والتي طبعتْ سلوكنا السياسي والاقتصادي بطابعها السلبي والسيّء و "الانتكاسي"، منذ العام 2003 وإلى الآن.
أنّ "الموقف" الذي أعلنتْ الحكومة العراقية عنه، ومفادهُ: "أنّ العراق سيُطَبّقْ العقوبات على ايران (أو سيلتزم بها)، وإنْ لم يتعاطف معها "، هو ليس "موقفاً" في الحقيقة، بل هو "وجهة نظر" حكوميّة تنُمُّ عن نزعة "براجماتيّة" قصيرة النظر، ومُتسرّعة، وغير مدروسة، وعاطفيّة، ولن تصُبّ في مصلحة العراق، لا على المدى القصير، ولا المتوسط، ولا البعيد.
وهذا يعني..
أنّ العراق عاجز تماماً عن ممارسة دوره كـ "وسيط" مُحايِد بين طرفين تربطهُ بهما علاقات وثيقة، ولا "توظيف" المتغيرات، و التداعيات المترتبة على تعقيدات العلاقة بين هذين الطرفين، وتحويلها الى ربحٍ صافٍ لصالحه.
إنّ محاولة العراق مسك العصا من الوسط، في ظروف جيوسياسية كهذه، والرهان على استمرار تدّفق عائدات الريع النفطي لتذليل المشاكل المُستعصية، والاختلالات المُزمنة، التي تنخرُ عميقاً في "نظامه" الاقتصادي، و في نسيجه الاجتماعي الهشّ والمُتآكل.. هو ليس "موقفاً" في نهاية المطاف، وهو لن يقود الى شيء، أكثر من تعقيد الظروف الصعبة، المعقّدة اصلاً، التي يمُرُّ بها، وتخترقهُ طولاً وعرضاً، خاصةً في العقدين الأخيرين من تاريخه"الجديد".
إنّ الموقف الذي مفاده: " سنستمرُ في استيراد الغاز من ايران، بالرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها"، هو موقف يصبّ في خدمة المصالح التركية السيادية العليا، لأنّهُ يمُسُّ أمنها القومي في العُمق.
و "تفعيل قانون التعطيل"، هو موقفٌ يخدم المصالح الأوروبية، لأنّ العقوبات الأمريكية على ايران تمسّ الأمن القومي للدول الأوروبية في الصميم.
و "سنستمر في استيراد النفط الايراني، رغم العقوبات.. " هو موقفٌ يصبُّ في خدمة مصالح الصين الوطنية - السيادية العليا، لأنّهُ يمُسُّ أمنها القومي في أكثر جوانبه حسّاسيّةً وخطورة.
ولا تنطبقُ ميوعة وهلاميّة "موقفنا"، الذي لا يُجَسّدُ أيّ موقفٍ في الحقيقة، على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فقط، بل يسري أيضاً على تعقيدات العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا والولايات المتحدة، الآخذة بالتصعيد والاحتقان، يوماً بعد آخر.
وهذا يعني:
أنّ رئيس وزراء "تقليدي" و "نمطي" و "مُتوافَق عليه" من قبل حلقة سياسيّة – مصلحيّة ضيّقة، لن يكون بوسعه أبداً مواجهة تحديات مصيرية ومعقدّة ومتشابكة كهذه، ولا الاستجابة "المهنيّة" و "العقلانيّة" لتداعياتها الخطيرة.
وهذا يعني..
أنّنا بحاجة ماسّة الى رئيس تنفيذي أعلى "مُختَلِف"، يكون فاعِل، و مُبادِر، وخالِق بارع للأفكار، وصانع حاذق للسياسات المُناسبة. رئيس تنفيذي "أعلى" يعرف قواعد اللعبة، ويُجيد اللعب في كلّ الخطوط، وعلى جميع الجبهات.
وهذا يعني..
أنّ "زعاماتنا" التقليدية قد أكلَ الدهرُ عليها وشَرِب، وبالتالي فليس بوسعها تقديم بديلٍ كهذا، بفعل ظروف تكوينها وعملها منذ عام 2003 والى هذه اللحظة. وهي ظروف تكوين وعمل مُلتَبِسة، وعقيمة، جعلت هذه "الطبقة" السياسية عاجزة عن اقتراح الحلول، وبناء المواقف، ورصد الامكانات المادية والبشرية، وتخصيصها واستخدامها بكفاءة.
وهذا يعني..
أنّ قاعدة المصالح الشخصية، والفئويّة، والمذهبيّة، والمناطقيّة، ومنهج "الزبائنيّة" القائم على "التخادم" السياسي قصير الأجل، لن يقودنا الى ما هو أكثر من تداعيات هذه الفوضى التي نعيشُ في أتونها الآن، ولن تُرمّمَ لنا سقفاً يأوينا وسط هذا الخراب الشاسع والشامل، والمتعدّد الأبعاد.
إنّ جزءاً كبيراً من عجزنا، و انكسارنا، وانتكاساتنا المتعاقبة، و ضعف قوّتنا، و قلّة حيلتنا، وهواننا على الناس، هو أنّنا لا نعرفُ ماذا نفعل، ولا ماذا نريد. وهذا التيه ينطبقُ علينا جميعاً، حكومةً، وشعوباً، وأفراداً، و دولة.
لقد اوْكَلْنا مصائرنا، وتركنا زمامنا سائِباً، واستطالَتْ أعناقنا الرخوة خنوعاً واستسلاماً لسكاكين من لا يهِشُّ ولا يَنِشُّ، ولا يدري، ولا يفهم.
وهذا يعني..
أنّ العراق بحاجة لمنهج مختلف، ومقاربات مختلفة عمّا سبق، عند شروعهِ باختيار قياداته السياسية والاقتصادية، وذلك في مرحلة تاريخية هي الأهم والأخطر والأصعب في تاريخهِ الحاليّ.
هل بوسعنا فعل ذلك ؟
إنّ الاجابة عن هذا السؤال هي التي ستحدّد ملامح المصير الذي ينتظر هذا البلد، بكلّ ما يختزنهُ من أحلام، وتطلّعات، و حُريّات، و رفاه، وموارد، و وجود.