عباس الصباغ
يبدو ان العقوبات الجائرة التي فرضتها الولايات المتحدة على العراق وتحت مظلة مجلس الامن الدولي غداة الغزو الصدامي لدولة الكويت (1990) قد فتحت شهية الولايات المتحدة لتكرار ذات التجربة بمسك العصا الغليظة من الوسط والتلويح بعقوبات "رادعة" للأنظمة غير السائرة في ركابها او التي تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الامريكي حسب مزاج ادارتها، او ازاء الدول (المارقة) ذات الانظمة (المشاكسة) ككوبا التي رزحت تحت عقوبات امريكية قاسية ولعقود استغرقت فترة الحرب الباردة كلها، او للدول التي وصفتها الولايات المتحدة بمحور الشر (العراق ايران سوريا كوريا الشمالية)، والتوصيف كان بداية لحرب استنزاف اقتصادية واعلامية باردة لإضعافها او تفتيت نظامها السياسي تمهيدا لدحرجة تلك الانظمة الى هاوية السقوط السحيقة كما حصل في العراق (2003) وماتبع ذلك من فوضى خلاقة احرقت الاخضر واليابس ، وايران مرشحة لذات التجربة المريرة.
لم تكن العقوبات التي وُصفت بأنها الاقسى على الاطلاق والتي فرضتها الولايات المتحدة على ايران بعيدة كل البعد عن هوس البرنامج الانتخابي للرئيس ترمب وتلويحه بمراجعة الاتفاق النووي الذي ابرمه سلفه اوباما مع ايران، وكان ذلك مقدمة صاخبة ومتوقعة لفرض هذه العقوبات سبقها انسحاب الولايات المتحدة ومن جانب واحد من اتفاقية (5+ 1) وهذا الانسحاب لم يكن بعيدا ايضا عن ممالأة شركاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين في الشرق الاوسط والخليج لتدخل المنطقة (المازومة) اصلا بحمى التوتر الدوغمائي الكلاسيكي الذي احتدم عشية انتصار الثورة الايرانية (1980) والتي ضربت المصالح الامريكية في الخليج وايران ليبدأ توتر مزمن في العلاقات التي قطعت بينهما كانت هذه العقوبات نتيجة حتمية له، ولم تخفت حدته إلا في عهد الرئيس اوباما الذي انسجم مع حلفائه الاوربيين وانتج اتفاقية الاطار النووي مع ايران التي كانت خارطة طريق مناسبة لنزع فتيل ازمة كادت تطيح بالسلم الهش لمنطقة الشرق الاوسط المبتلاة بالارهاب.
تاريخيا اثبتت سياسة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة فشلها كونها تستند على اسس سياسية كيدية، وفي محاولة للولايات المتحدة لتجيير مواثيق الامم المتحدة في ذلك المسعى، كما حصل في تسخير البند السابع الذي وضع الشعب العراقي تحت وصايته طويلا لذنب لم يقترفه فدفع الثمن باهظا لجريمة (احتلال الكويت) لم يكن له فيها ناقة او جمل فدفع اكبر ثمن لعقوبات ظالمة فرضت عليه 13 عاما استخدمت لإضعاف النظام الصدامي الا انها أدت الى تمزيق الشعب وتدمير النسيج الاجتماعي العراقي.
فالعقوبات الامريكية لهذه الدولة او تلك وتحت غطاء اممي هي موجهة للشعوب بالدرجة الاساس وهو بالذات رأي الحكومة العراقية التي تنحو الى الاعتقاد بان ما من ضرر يلحق ببلد من البلدان الا وينعكس سلبا على أمن واستقرار المنطقة برمتها وتدفع الشعوب المغلوب على امرها ثمنها لذا يرفضها العراق رفضا قاطعا .
ولكن كان على الادارة الايرانية ان تتمتع بحنكة سياسية اكبر وببراغماتية مرنة اعلى كالتي تمتع بها رئيس كوريا الشمالية (كيم) الذي استقبل الرسالة الامريكية ـ التي كانت طوق نجاة للرئيس كيم ـ بإذابة الجليد وتطبيع العلاقات بترحاب ذكي وفتح ابواب الحوار المباشر بين البلدين وغلق الملفات الساخنة العالقة بينهما تجنبا للتوتر المفضي الى كوارث، كما الذي يحصل الان في حزمة العقوبات الامريكية الموجهة ضد ايران الا ان الرئيس الايراني روحاني رفض إجراء أية مفاوضات أو لقاءات مع إدارة ترمب، مبرّراً أن إيران لاتثق بالرئيس ترمب وإدارته وهو موقف في غاية الدوغمائية المفرطة التي لاتجلب سوى الخراب، وستحول العقوبات الجديدة دون استخدام إيران للدولار الأمريكي في تجارتها، ما يعد ضربة موجعة لصادرات النفط الإيراني، الذي تشكل إيراداته مصدر دخل رئيسي لإيران فضلا عن حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعي صناعة السيارات والسجاد في إيران وحظر استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، فهو حصار امريكي شامل يعيد الى الذاكرة الحصار الشامل الذي تعرض له العراق دون مبرر فيما توعّد الرئيس ترمب الدول والشركات التي تنتهك تلك العقوبات بموقف أمريكي غير مسبوق يصل الى قطع العلاقات وفرض إجراءات بحقها وهذا يعني مزيدا من التوتر والمعاناة لمنطقة الشرق الاوسط وللعراق تحديدا.
أقرأ ايضاً
- الاضداد والمتشابهات في فقه العقوبات
- مسرحية العقوبات الامريكية على كتيبة صهيوني
- الانتحار كابوس اجتماعي