محمد غازي الأخرس
كتبت مرة أنني أنتمي لشريحة “العمّالة”، ولكن في مجال الثقافة، وإذ كتبت ذلك طرب بعضهم للتوصيف الذي عدوه دقيقا. أجل، لست تاجرا ولا موظفا كبيرا أو مديرا عاما. مجرد كاتب دون ضمانات. أعمل بـ”القطعة”، وأكتب مقالات وتقارير وأحيانا سكريبتات تلفزيونية بأجور يومية. كل مقالة بأجرها، وكل سكريبت بثمنه. قد ترتفع الأجور في بعض المواسم، وقد تنخفض في فترات. أي نعم، أنا “كاسب” ثقافي، غير أن عنواني أنيق وهو “كاتب”.
جوهر عملي لا يختلف عن سائق “الكيا” كما أعبّر لإم عيالي، المقود هو الكيبورد و”الكروة” هي مقالات أتجول بها مع القراء واستمتع بها أنا قبل أن يستمتعوا هم.
في التفاصيل، لم “أتشرف” بالعمل لدى الدولة العراقية، لا في عهد صدام ولا في العهد الذي تلاه. عرضوا علي ذلك أكثر من مرة بعد عام 2003، لكنني رفضت لأسباب مختلفة، وإلى الآن يلومني بعضهم على “تضييع” تلك الفرص. يلومونني لأنهم يوقنون بأن راتب الدولة هو الأبقى في بلد يخلو من الضمانات وتقاليد العمل. بل في بلد يمكن للمرء فيه أن يجد نفسه عاطلا في أية لحظة، وحينها قد يتمنى أن يكون خلف ظهره جدار يتكئ عليه. مرة من المرات، قلت لأحدهم أنني لولا القناة الفضائية التي آوتني منذ 15 عاما لاضطررت إلى فتح محل في بيتي أو العودة لمغامرات التسعينات يوم وقفت خلف عربانة الحب أعواما واقتعدت رصيف المتنبي أعواما أخرى. في تلك الأيام التي يتذكرها بعض أصدقائي، اضطررت مثلا الى صنع الأحزمة في غرفة حقيرة بفندق “عدنان” وكان معي شاعر ومسرحي لا داعٍي لذكر اسميهما.
لماذا عدت لطرق هذا الموضوع؟ عدت له لأنني وجدت نفسي فجأة أتلفت يمينا وشمالا وكأن أناسا يصيحون خلفي: الزموه، هذا من مدللي زمن الأموال المهدورة. هم يتصورون أنني موظف أقبض الملايين مثل من يتسقطون أخبارهم هذه الأيام، ويتهمونهم شتى الاتهامات. كلا طبعا، لست كذلك، لا موظفا ولا عضوا في هيئة، لم أستلم من “دولتي” سوى أجور يومية مقابل مقالات أكتبها. أي والله، داعيكم مجرد “عرضحالجي” كما عبرت يوما. لا أملك مهنة غير الكتابة، ولو كانت لدي خبرة في أي مجال عملي لاتجهت إليه فورا وتركت “أخوذ الغيبة” وراء ظهري. كنت قد ظللت أتجول مع قرائي في رحلات أستمتع بها، فأنا عاشق للكتابة ولدي فيها شغف لا يدانيه سوى شغفي بالحياة ومراقبتها.
ألا ما أجملها من حياة، ولكن ما أعقد أناسها!
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً