محمد جواد الميالي
السياسة هي ممارسة الممكن، وليس ما يجب أن يكون، فهي فن يبحث في الواقع، ولأجل الواقع، عما يمكن السلطة من الأستمرارية، فأن أي محاولة لأخضاع السلطة إلى اليوتوبيا، تؤدي إلى فقدانها، وهذا ما يطبق حرفيا على بلدي، من قبل الأحزاب والتيارات، للحفاظ على مناصبهم.
إن الهدف الأساس للسياسة، عملها من أجل إدارة البلدان، بصورة تساعد الأمم، على التمتع بخيرات أوطانهم، ولكن ما حدث في العراق، كان مخالف لكل مقاييس الفهم السلوكي للسياسة، حيث أن القادة اليوم، يمثلون نهج للمكر والخبث، ناهيك عن تطبيقهم لمبدأ، أن السياسة عديمة الأخلاق، لأنهم فعلاً تجردوا من كافة معالم الإنسانية، وتبطنوا برداء الفساد والجرم والإرهاب.
شهد العراق أول تشكيل حكومة في 2006، ولكن الغريب أن قبيل تقسيم المناصب السياسية بينهم، حدثت العديد من الإنفجارات، بالإضافة إلى سيلان دماء الشعب بإسم الطائفية، التي أختلقتها الأحزاب والتيارات، كل ذلك الأستهتار بالأرواح العراقية، هو من أجل إبراز من الأقوى، ليحصل على مناصب أكثر، لكن الأصعب أن الشعب كان يرى فيهم الهواء النقي، الذي سيشفي صدورهم من دخان الطاغية، بعد ثلاثون عاماً من الدكتاتورية السوداء.
شعبنا حديث العهد بالأنتخابات، فلم نشهد مثل هكذا تجربة ديمقراطية من قبل، لذلك بعد إنتهاء فترة الأربع سنوات، بدأت الدعايات الإنتخابية، لأجل إنتخاب من يمثلوننا في معبد الفساد، وكلنا أمل بهم لأجل التغيير، ولكن بعد 2010 بدأت تتضح لنا الصوره، حيث أن كمية الفساد المالي والإداري، الذي لحق بمؤسسات الدولة لم يكن متوقع، والأموال التي تم تهريبها للخارج، كانت خيالية، هذا ما سبب إستياء شعبي، ضد الطبقة الحاكمة، التي أتضحت نواياها وأتجاهاتها الفكرية في الواقعية السياسية، حيث أن منهجهم يحوي كلمتين، المال والسلطة.
الحفاظ على السلطة يتطلب مكراً والقسوة، على حساب الخصوم الخارجيين والداخليين، وهذه هي السياسة الواقعية، التي تشكل أساساً للأحزاب السياسية في العراق، فلا فرق بين حزب عربي أو أعجمي، إلا بحجم الدعم الخارجي والفساد.
مانشهده اليوم من تفجيرات تطال المساجد والجوامع، ومن إنفجارات لأكداس عتاد، وحرق وتزوير لصناديق الأقتراع، كل هذا بالإضافة إلى سيناريو الأختطاف، وصراخ بعض النواب من أجل التمديد، ماهو إلى طريق لولادة طفل مشوه، يتشبث بالسلطة، ويعلن تقاسم المناصب فيما بينهم.
فقر وحرمان، قتل وتهجير، ضياع لمستقبل الأطفال، وهجرة غير شرعية، ومرضى بلا علاج، وأرامل وأيتام بلا مأوى، وخريجين بلا عمل، والحياة لمن يملك السلاح، والإنتماء للحزب لا للوطن، وغيابٌ للقانون، كلُ هذا وأكثر، يجعلنا بلا هوية وطنية، لكن الأهم متى يستعيد بلدي عافيته، ونستعيد عراقيتنا، ويتجرد السياسي من ردائه الخارجي؟