- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عندما يأكل السياسي المال الحرام
محمد الهزايمه
يقال إن السياسة هي فنُّ الكلام وحلوُه ولذلك يلجأ الزعماء المرشّحون في الدول المتقدّمة لمنصب الرئيس لمناظرات تلفزيونيّة يُشاهدها القاصي والداني ويحكم عليها الشعب الذي سيكتوي بنار الرئيس المنتخب إن أساء الاختيار أو يسعد هو والحاكم بفترة حكم هنيئة إن أحسن اختيار الرئيس.
أمّا نحن في الدول العربيّة والإسلامية التي تكاد لا تجد الخبز لشعوبها والذين نؤلّه (نجعلهم آلهة) زعماءنا بالنفاق والكذب وبافتدائهم بالروح والدم نكتشف أن هؤلاء الزعماء والحكومات تسعى للتوريث وكأن الحكم جمهوري على الورق وملكي وراثي من ناحية عمليّة، كما نكتشف أن هؤلاء الزعماء هم من نهبوا البلد ومقدّراتها وأفلسوا ميزانياتها وحمّلوا شعوبهم ديونا تحتاج أزمانا وأجيالا لسدادها بل ويتنازلون عن بعض السيادة الوطنيّة بحجّة الرضوخ لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة تحت أسماء مثل برامج التصحيح الاقتصادي وسداد العجز في الموازنة والمحافظة على القيمة الشرائية لعملة البلد وغير ذلك من حجج واهية هم بالأساس من تسبّب بها بالسماح لشلل من الفاسدين أن يعبثوا بمصائر الشعوب ولقمة عيشهم وراحة بالهم ومستقبل أطفالهم.
وإذا ابتعدنا عن القيم والعقائد للحظة وتذكّرنا المبادئ التي قامت عليها الاشتراكية والنظام المالي الشيوعي وهو أن الحياة مادّة وأن هذه المادّة هي المال الذي يسبب للفرد الحياة المريحة أو يملؤه بالشقاء والتعاسة والقهر عندما يرى حكومته تأخذ جرعة الحليب من فم طفله لتضعها في جيب الفاسد والثري على شكل مال حرام يُضاف لما سلبه بالعنوة أو بالخجل وكلاهما حرام.
وعندما يأكل السياسي مالا حراما تختلط عنده الألوان والقيم وتضمحلُّ المبادئ وتصبح الكلمات الأحلى على لسانه تلك التي تلقى استحسان الغير حتّى مع قناعته بأن تلك الكلمات بعيدة عن الصدق وبعيدة عن مصلحة البلد ولا تُرضي الله تعالى ولا المخلصين للوطـن.
وهكذا، وعلى مرّْ السنين، يُصبح السياسي مُعتقدا بصدق أنه يعمل لمصلحة بلده وشعبه وأنّه جهبذ في السياسة والكياسة ولا يخطر بباله أنه شوّه السياسة وأصبح كلامه يزداد بشاعة مع الزمن وبينما يُسمّيه المواطن الشريف عاهر سياسة يُطلق عليه المنافقون والأحباب شاطر سياسة وشتّان بينهما.
والفارق الزمني الذي يفصلنا عن حضارة الغرب التي تقدّر بمئات السنين والتي لم نستطع تقليصها زادت من وباء الكذب الذي ابتلينا به كما ابتلى به رجال السياسة وصانعوها في بلادنا بل وزادت من عدد الفاسدين وأعوانهم وتابعيهم وتغلغلوا في المجتمع كما يقال من «ساسه لراسه»، بل وأصبح من المستحيل السيطرة عليه أو حتّى اكتمال التحقيق في أي شبهة فساد أو قضيّة فساد نتائجها ظاهرة للعيان على الأرض ولكن معظم القضايا تتشابك حبالها حتّى أنها تكاد أن تلتفّ على أكثر من رقبة حتّى أنّ بعض المسؤولين يخشون أن تلك الحبال قد تلتفّ حول رقابهم وهم غافلون في وظائفهم وأعمالهم وتصبح همومهم أطفاء الحرائق من حولهم خوفا من أن تلفحهم النيران بل يصبح من الأفضل لهم أن يعملوا على إغلاق الملفّات وأن تضيع القضيّة وتسجّل ضد مجهول ليبقى القطار يسير على سكّة لا ندري إلى أين ستؤدي به ومتى نصل إلى «خراب مالطة».
وقد يكون من الأفضل أن تكون التحقيقات سريّة مع الفاسدين وأن يحاول القضاة الأشراف إثبات تورّط هؤلاء الفاسدين فيحاكمونهم وتُسترد الأموال منهم ولا داعي أن يتعمّق القضاة في إثبات كامل الدوافع وكامل الشركاء على أن يُحاكم جميع الموظفين العاملين في القطاع العام والخاص من وظيفة رئيس حكومة فما دون، وأن تصدر أحكام بالسرعة اللازمة ليقتنع الشعب أن محاربة الفساد بدأت فعليا وأن الأحكام القضائيّة تُطبّق والأموال تعود للخزينة وهذا سيجعل العهر السياسي يأخذ أشكالا أخفْ. وشيئا فشيئا يصبح الساسة ينتابهم الخجل عندما يكذبون على شعوبهم. وشيئا فشيئا يتخلصون من الصديد على قلوبهم وضمائرهم والغشاوة على أعينهم وتصبح الفجوة أضيق بين الشعب والحكومة وعندها ستصبح الأجواء أكثر ملائمة وقبولا لتشكيل حكومات تستمدّ قوّتها من الشعب نفسه الذي عبر ممثليه المنتخبين أن يصبح شريكا في صنع القرار الوطني لمصلحة الوطن والمواطن معا. عندها سيجلس الزعيمان المرشحان لمنصب رئيس دولة أو رئيس حكومة قبالة بعضهما البعض في مناظرة تلفزيونيّة ويقول كل منهما للآخر كفى كذبا وعهرا وبعد انتهاء المناظرة يتصافحان وكل منهما متأكد أنه مخلص للوطن والمواطن الذي أوصله لتلك المناظرة.
فمتى يأتي ذلك اليوم؟ وهل بدأنا الخطوة الأولى أم أمامنا الكثير لتغيير ثقافاتنا وخلع ملابس النفاق والرياء وارتداء ملابس الصدق والحياء؟
كاتب أردني
أقرأ ايضاً
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي