بقلم:سالم مشكور
الاحباط والتذمر باتا ظاهرة واسعة في العراق، ربما تكون لهذا الامر جذور في الشخصية العراقية رسّختها عوامل داخلية وخارجية تعود الى ما قبل 2003 بعقود عدة،لكنها تبدو الان أكثر وضوحاً بفعل زوال ماكينة القمع التي كممت الافواه قبل 2003، وتطور وسائل الاتصال التي باتت خارج سيطرة أية جهة، وبالتالي أصبح تدفق المعلومات لا حدود له، مما جعل التذمر أوسع مدى وأكثر حدّةً.
إشاعة الاحباط والتذمر هي أحد أساليب الحرب النفسية التي يجري اعتمادها ضد الدول الاخرى،إذا كانت معادية، أو بهدف تغيير الانظمة في دول معينة، أو لإضعاف دول خدمة لدول أو دولة أخرى. وقد تستخدمها قوى محلية معارضة، في حربها ضد الانظمة القائمة. انتشار حالة الاحباط والتذمر بإمكانه توفير أرضية مناسبة لتقبّل ما لا يتقبله الناس في الظروف العادية مثل الاحتلال الأجنبي والتفريط بالسيادة. أنظروا الدعوات الى التدخل الخارجي في العراق اليوم. قبل 2003 كانت الدعوات صامتة، على شكل تمنّيات، عدا تلك المنطلقة من عراقيي المعارضة خارج العراق. نظام يظلم ويسوق شعبه الى كوارث متتالية خلّفت الجوع والحرمان، ومعه قمع للحريات وتكميم للأفواه، والنتيجة ترحيب غالبية الشعب بالقوات الاميركية التي رأوها مخلّصة لهم من الكابوس الذي يجثم على صدورهم. نظام لم يعد خافياً أنه جاء بدعم من قوى خارجية، وارتكب حماقاته وخاض حروبه بتحريك من تلك القوى. هكذا يكون الخارج ساهم في صناعة التذمر والإحباط للترحيب بالإطاحة بالنظام عند انقضاء الحاجة اليه.
الانظمة غير التابعة، أو العصية على التطويع، لها أسلوب آخر في عملية صناعة التذمر والإحباط داخلها: فرض حصار اقتصادي عليها والتسبب بتدهور الاقتصاد بما ينعكس سلباً على حياة الناس حتى يبلغوا مرحلة اليأس والإحباط التي تمهد لإسقاط النظام أو تقبل أي تحريك خارجي للداخل. هذا ما حاولوا فعله مع إيران خلال عقود.
لكن العوامل الخارجية ليست قدراً محتوماً بل يعتمد نجاحها على مستوى وعي الناس لما يجري، وعلى وجود قوى داخلية ذات مصلحة في التعامل مع الخارج حتى لو كان في غير مصلحة البلاد. والتحريك الخارجي للداخل يفشل حيث تكون الشعوب واعية، والأنظمة أيضا، وتنجح حين يغيب الوعي العام وتسهم الانظمة بحماقاتها وقمعها في ترسيخ الاحباط والتذمر حتى يبلغ مرحلة الانفجار أو التماهي مع التحريكات الخارجية.
الاحباط والتذمر قد تشيعهما قوى داخلية تريد الاطاحة بالنظام القائم أو تغيير معادلة الحكم، وهم يتماهون في ذلك مع أطراف خارجية تريد عدم الاستقرار لأهداف ومصالح شتى.
في هذا الإطار يمكن تحليل واقع الوضع العراقي ومستوى الاحباط والتذمر فيه. حريات واسعة في التعبير عن الرأي، وتحريك خارجي وداخلي، وأداء سياسي يوفر الكثير من الأرضية لنجاح عملية إشاعة وترسيخ ظاهرة الاحباط والتذمّر التي تشجع الناخب على ترك حقه في التغيير عبر صناديق الاقتراع فيبقى الوضع كما هو عليه، بل قد يزداد سوءاً.