- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فاطمة الزهراء(عليها السلام) النور الإلهي / ج 2
بقلم: عبود مزهر الكرخي
ولندخل إلى عالم الملكوت الآلهي لسيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(ع) ولنعرف لماذا اختصت بالكرامات العالية ومن بينها ليلة القدر.
1 ـ اول هذه القواسم المشتركة بين الزهراء وليلة القدر هو مصحف فاطمة. فمن المعلوم أن ليلة القدر هي ظرف مكاني وزماني أي انها تختص في العشرة الأخيرة من شهر رمضان وحتى ليلة قد حددها الله سبحانه وتعالى في محكم بقوله { أنا انزلناه في ليلة القدر } وجعلها خير من الف شهر ومن هنا تحقق الظرف الزماني والمكاني , وبالمقابل كان قلب الزهراء هو ظرف مكاني وزماني أيضاً في انها في قلبها تحمل وصدرها وعاء إلهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف، وإنّها كانت محدّثة تحدّثها الملائكة، فهي وعاء للإمامة وللمصحف الشريف.
ومن هنا خرج عند الشيعة مصحف فاطمة وهو ليس بديل عن القرآن كما يدعي بعض القصيري النظرة من الكتاب او ممن يحملون الفكر الناصبي لأهل البيت بل هو مصحف يضم علوم الأولين والأخرين ونزل على فاطمة(ع)من قبل جبرائيل الذي كان يحدثها ويملي عليها المصحف والأمام علي(ع) يقوم بالكتابة وإنّها كانت محدّثة تحدّثها الملائكة، فهي وعاء للإمامة وللمصحف الشريف. ولهذا عدّ من التراث العلمي عند الشيعة وأئمّتهم الأطهار عليهم السلام. سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن جدّته فاطمة الزهراء عليها السلام فأجاب قائلاً: { إنّ جدّتي فاطمة مكثت بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان قد دخل عليها من الحزن على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها ويطيّب نفسها ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة}(1).
وهنا نشير إلى مسالة مهمة ان نزول الوحي جبرئيل على الزهراء ليس لغرض التشريع وعنوان الوحي لأن الوحي والرسالة السماوية انقطعت بوفاة الرسول الأعظم محمد(ص)بل كانت لأجل تسليتها وعزاءها بمصابها بوفاة أبيها ومن ثم وكما قلنا فان الزهراء هي محدّثة(بكسر الداء) والمحدّثة(بفتح الداء). عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: « إنّما سميت فاطمة محدّثة ــ بالفتح ــ لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك: واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأوّلين والآخرين »(2).
وما يثبت كلامنا انه مريم العذراء لم تكن نبيّة ولكن كانت تحدثها الملائكة وحتى سارة أمرأه نبي الله إبراهيم(ع) قد رات الملائكة وبشروها بإسحق وكذلك ام موسى عندما أوحى الله لها بان القيه في اليم وما تحدث عنه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل بقوله { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }(3). فكيف بالزهراء التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها وهي سيدة نساء العالمين فهل نجد حرج او قول به شك في محادثة الملائكة لفاطمة الزهراء(ع).
2 ـ المؤشر الثاني هو أنه في ليلة القدر كما يذكر في محكم كتابه{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.(4)
والتي فها يثاب فيها المرء على أعماله خلال السنة فيفرق فيها كل الأمور الحتمية وينزل بها روح القدس على وليّ العصر والزمان وحجّة الله على الخلق الذي بيُمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، لتصبح العلامة الفارقة بين المؤمن والكافر هو الأيمان بليلة القدر. ليكون بعد ذلك الأيمان بفاطمة الزهراء هو الايمان بالفرق بين الحق والباطل والخير والشر وبالتالي اليمان بأهل البيت ومودتهم والذين لم يؤمنوا بهذا الحق والمودة إلا خمسة او سبعة من الصحابة المنتجبين ليفرق الله بين الحق والباطل وليكون الباقين هم أئمة الضلال والكفر، فالصلاة والصوم هي من الأعمال الجوارحية وفيها يتم التفريق بين الكافر والمؤمن ونفس الشيء ينطبق على حب فاطمة فهي من الأعمال التي تدخل في مودة اهل البيت ومحبتهم ومحبتها ومحبة نسلتها الطاهرة وولايتهم هي تدخل في هذا الإطار ولهذا كان قول عز وجل في القرآن {...قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..}(5).و {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}(6).
والسبيل هو هنا الصراط المستقيم وهم فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها.
3 ـ ليلة القدر هي معراج الأنبياء والمرسلين وفيها تفيض الرحمة الإلهية على عباده المؤمنين وفيها تزداد الفيضات الإلهية على أنبياءه واوليائه والمؤمنين لتشكل حلقة مهمة في أكتمال العقد الأيماني تلك الفئة الصالحة والمؤمنة..ومن هنا يذكر الباحث السيد عادل العلوي فيقول " كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقيّة التّقية، فهي مرقاة لوصولهم إلى النبوّة ومقام الرسالة والعظمة والشموخ الإنساني والروحاني، فما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وذلك في عالم ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ))، أو في عالم الذرّ أو عالم الأنوار أو الأرواح أو النشأة الإنسانية التي تسبق نشأتنا هذه، وهذه إنّما هي صورة لتلك كما عند بعض الأعلام.
ففاطمة الزهراء قطب الأولياء والعرفاء ومعراج الأنبياء والأوصياء، صدرها خزانة الأسرار، ووجودها ملتقى الأنوار، فهي حلقة الوصل بين أنوار النبوّة وأنوار الإمامة، فأبوها محمد رسول الله، وبعلها علي وصيّه وخليفته إمام المتّقين وأمير المؤمنين، ومنها أئمّة الحقّ والرشاد وأركان التوحيد وساسة العباد"(7).
4 ـ كما جاء في محكم كتابه ان ليلة القدر هي خير من الف شهر وقد وهبها الله سبحانه وتعالى لحبيبه محمد في أمته لكي يستبقوا الأعمال واحياء هذه الليلة والتي يفرق فيها كل أمر حكيم كما ذكرنا آنفاً فيضاعف فيها أعمال التهليل والتمجيد والتكبير والتسبيح والصلاة وكل عمل بألف ضعف. وكذلك محبة الزهراء ومودتها هي من التي توجب مضاعفة الأعمال ولهذا وهب الله لها سبحانه وتعالى لمحبيها والموالين تسبيحة الزهراء (34 الله اكبر، 33 الحمد لله، 33 سبحان). لتعادل الف ركعة كما جاء في الروايات الشريف لأئمتنا المعصومين وهو من الأذكار المشهورة عند الشيعة وهو مستحب في كل وقت من أوقات النهار، وهو واحد من التعقيبات المستحبة بعد كل صلاة وعند النوم. ومنها رواية أبي خالد القماط، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: { تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم }(8). وهذه التسبيحة قد علمها رسول الله لبضعته فاطمة وهي نزلت من رب السماوات والأرضون السبع ليبين عظمة ومنزلة الزهراء روحي لها الفداء ولتكون آية ودلالة على محبة ومودة سيدة نساء العالمين روحي لها الفداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ بحار الأنوار: 43، 80. كتاب إلى المجمع العالمي بدمشق تأليف الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي. ص 27 ـ 28.
2 ـ بحار الأنوار: 43، 78.
3 ـ [القصص: 7].
4 ـ [الدخان: 4].
5 ـ [الشورى: 23].
6 ـ [الفرقان: 57].
7 ـ كما يذهب إليه العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان في الآية الشريفة ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ))، فراجع.
من بحث حول أوجه الشبه بين فاطمة الزهراء عليها السلام وليلة القدر. الباحث عادل العلوي. باب فاطمة الزهراء / فضائل. مكتبة العتبة الحسينية المقدسة.
8 ـ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 6، ص 443 – 444. انظر بحار الانوار82/341.