بقلم:سالم مشكور
عندما زار رئيس الأركان الايراني أنقرة قبل أسابيع قليلة، حرص الاعلام التركي، الموّجه مركزياٍ، على التأكيد أنّ الزيارة أفضت الى اتفاق على تنسيق أمني إيراني- تركي في مكافحة الإرهاب. هنا المقصود تحديداً حزب العمال الكردستاني التركي وفروعه العراقية والسورية والإيرانية، والذي عاد مصدر قلق للسلطات التركية بعد فشل اتفاق التسوية الذي أبرم بين الجانبين عام ٢٠١٣. الجانب الايراني كان يريد من تركيا موقفاً واضحاً من موضوع الاستفتاء في كردستان العراق الذي يصر البارزاني وحزبه على اجرائه في الخامس والعشرين من أيلول الجاري، لكن الجانب التركي صوّر الزيارة والاتفاق وكأنهما يخصان حزب العمال فقط.
هذا وحده كان كافياً للتأكيد، ليس للإيرانيين فقط بل لجميع المتابعين، بأن الموقف التركي من الاستفتاء مائع ومتضارب لا ينبئ في خطه العام بتوجس من الاستفتاء. بل ولا من تداعياته الاستقلالية. نتذكر جميعاً كيف كان الاتراك يستشيطون غضباً من مجرد وجود إقليم كردي في العراق. كانوا دائماً يخافون أن تنتقل "عدوى أية خصوصية لأكراد العراق، الى تركيا التي فيها أكثر مما في العراق من الأكراد، محرومون من كثير من الحقوق المدنية التي باتت أمرا طبيعياٍ في حياة العراقيين الاكراد. اليوم يتصرف أردوغان وحزبه بردود فعل هي أقرب الى رفع عتب الاخرين. فأردوغان يرى في الاستفتاء "أمراً مؤسفاً" تارة و" أمر ستكون له تداعيات على الساحة الكردية العراقية" تارة أخرى، فيما يصعّد الرئيس التركي من لهجته – على استحياء- ليقول إن شمول كركوك بالاستفتاء "أمر غير مقبول". مسؤول اقتصادي تركي يصرح بان الاستفتاء لن يؤثر على التبادل التجاري مع الاقليم. قيمة هذا التبادل تتجاوز ثمانية مليارات دولار ومئات الشركات التركية العاملة في الاقليم، فضلا عن النفط والغاز المصدر من الاقليم الى أو عبر تركيا بعيدا عن علم وموافقة المركز. لو كانت تركيا تملك ذات الهواجس السابقة من استقلال كردستان العراق
لهددت بالورقة لاقتصادية، التي تشكل بالتأكيد ضغطأً كبيراً على الاقليم
ليس هذا مجرد تحليل. هناك مشروع تركي بدأه أوزال وطوّره أحمد داوود أوغلو الذي كان منظّر حزب أردوغان. أوزال كان يريد استيعاب أكراد المنطقة تحت اسم "الشعوب التركية" فاتُهِم بانه يريد الخروج عن مبادئ تركيا الحديثة. داوود أوغلو استأنف المشروع وطوّره باسم "احياء مركزية تركيا العثمانية" بحيث تلتحق بها كيانات كانت سابقاً ضمن الدولة العثمانية، في إطار فدرالي أو كونفدرالي.
قامت العلاقة التركية مع إقليم كردستان، وتحديداً كردستان أربيل، على هذا الأساس عبر عملية ربط اقتصادي وأمني كبير يجعل هذا الاقليم منطقة نفوذ تركي يتحكم بكل مواقفها ومفاصلها. هكذا يبدو الاستقلال، وقبله الاستفتاء على مصير كردستان العراق، لا يشكل خطراً على الامن القومي التركي. على العكس من ذلك. سيكون إقليم كردستان (أربيل) قبرص تركية ثانية وذراعاً تركية لمواجهة تمدد حزب العمال الكردستاني في العراق كقاعدة للعمل منها ضد أمن تركيا.
أما تركمان العراق الذين طالما اتخذتهم تركيا حجر زاوية لتدخلها في العراق فلم يعد مصيرهم يهمها، ولم يعد ضمّ كركوك الى الاقليم يثير شيئاً من حفيظة حكومة أردوغان، مادامت المصالح الاقتصادية التركية -خصوصا الطاقة- متوفرة مع الاقليم.