- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سقوط المشروع الداعشي في العراق
بقلم:عباس الصباغ
كنت وفي مقال سابق توقعت ان تكون معركة الموصل اشبه من حيث النتائجُ بمعركة ستالينغراد الشهيرة، ولم يكن ذلك رجما بالغيب، وفعلا كانت كذلك إن لم تكن اكثر من هذا التوصيف، وهي المدينة التي شهدت ولادة المشروع الداعشي الذي استطال الى مشروع "دولة" اريد لها ان تتمدد فتمددت على ما مساحته ثلث مساحة العراق ونصف مساحة سوريا تقريبا سميت بالدولة الاسلامية في العراق والشام واختزالا بـ (داعش)، وكما شهدت الموصل بشائر تحريرها من مخالب هذا التنظيم القروسطي المتوحش ـ فقد شهدت ذكرى احتلالها المشؤوم وفي ذات التاريخ ـ وبعد قتال دام وشرس استمر اكثر من ثمانية اشهر سبقتها سنتان من المعارك التي احتدمت في مناطق سامراء والفلوجة والضلوعية وتكريت والرمادي وبيجي والقيارة والشرقاط وغيرها , حيث حاول تنظيم داعش الارهابي جعل هذه المدن والمناطق حوائط صد وتعويق لمنع القوات الامنية من الوصول الى الموصل والذي اخذ اكثر من عامين كاملين من اجل فتح الطريق تمهيدا لتحريرها على يد ابناء العراق الشجعان من قوات الجيش والحشد الشعبي المقدس ومكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية والرد السريع والمتطوعين وابناء العشائر والبيشمركه وغيرهم، وجاء نجاح قواتنا الامنية في تحرير الموصل ثمرة لجهود وتضحيات بُذلت لفترة طويلة من التخطيط والاعداد والتجهيز وجمع المعلومات الامنية والاستخبارية عن خرائط توزيع عناصر تنظيم داعش ومقراته وقياداته واتصالاته فلم تكن المعركة سهلة بكل المعايير، في ظل تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية كثيرة، فقد كانت فعلا اشبه بمعركة ستالينغراد التاريخية.
فقد مثلت الموصل وطيلة السنوات الثلاث التي بقيت فيها تحت نير الاحتلال الداعشي البغيض، بعدا رمزيا وتعبويا استراتيجيا لداعش ساهم في استقطاب الارهابيين وشذاذ الآفاق مما يقرب من 100 دولة ومن جنسيات وأعراق شتى انتظموا جميعهم ضمن هذا المشروع التخريبي وفي هدف واحد هو تدمير العراق بذرائع سيا / طائفية اشتغل عليها تنظيم القاعدة لسني مابعد التغيير النيساني وتحت يافطة الإسلام السني لكنه فشل. وبذات الهدف تمَّ استقطاب جموع من المتطرفين والمتشددين الذين غذتهم السلفية الوهابية التي تعدّ المفقس الرئيس للفكر الارهابي وكل هؤلاء يتبعون فتاوى ابن تيمية الاب الروحي للفكر التكفيري والاقصائي ومنه استمد إبن عبد الوهاب والاخوان نظرياتهم المنحرفة.
ولايضيف جديدا من يقول إن داعش كان مشروعا اقليميا تخريبيا اريد له ان يكون متمّما او بديلا نوعيا لتنظيم القاعدة الذي كان الرحم الذي انبثق منه داعش وبسيناريو اكثر توحشا واعمق تأثيرا في مناهضة العملية السياسية واسقاط تجربة العراق الديمقراطية بحسب نظرية الارض المحروقة التي كان داعش يمارسها عمليا كل يوم باسم الاسلام ولم يدخر وسيلة في ايذاء الابرياء وزرع الخراب الشمولي إلا واتبعها، ويحفل سجل داعش الحقوقي بما يندى له جبين الانسانية من ممارسات وحشية ولا انسانية لم تفعلها حتى محاكم التفتيش في العصور الوسطى.
وراح البعض يضع توصيفات استباقية لخرائط طريق لعراق مابعد داعش تختلف اختلافا جذريا عن مرحلة ماقبل داعش وطارحين عدة سيناريوهات تتداخل فيها العوامل المحلية بالإقليمية، وكان الأولى استقراء مرحلة ماقبل داعش استقراء دقيقا ومهنيا وتشخيص الأسباب والعوامل التي ادت الى كارثة احتلال داعش للأراضي العراقية وتأسيس "دولة الخلافة" بمباركة اقليمية واضحة وهي في عرف الجهات الممولة لهذا المشروع نواة دولة لمشروع سيا/ طائفي واسع كانت الاراضي السورية والعراقية اقليما لها اذا ما تم احتساب ان الدولة هي عبارة عن اقليم ومجموعة من السكان وحكومة، فالحكومة اعلنها ابو بكر البغدادي في صيف 2014 وكانت البقعة الممتدة من الموصل شرقا الى الرقة غربا هي الاقليم المفترض لدولة داعش الوهمية اما السكان فهم الحواضن التي فتحت ابوابها كرها او اختيارا لداعش تنفيذا لهذا المشروع، فداعش كان منظومة فتوائية واعلامية واقتصادية وسياسية وعسكرية متكاملة شكلت الجزء الظاهر من جبل الجليد الطافي وما خفي من هذا الجبل كان اعظم، وفي رأيي: الافضل هو استقراء مرحلة ماقبل داعش ووضع اليد على تقرير مهني وموضوعي يكشف عن اسباب تغوّل هذا التنظيم واحتلاله لأربع محافظات عراقية مهمة تأتي الموصل ذات الاهمية الاستراتيجية القصوى في مقدمتها وفي "غفلة" من القوات الامنية وبكل سهولة علما أنّ اللجان التحقيقية التي شكّلها مجلس النواب، عكفت على بيان تلك الاسباب، ومعرفة أسرارها، لكنها ظلت طي الكتمان، لأسباب سياسية مريبة، فاذا ما تحقق كل ذلك فإننا سنتوصل الى وضع خارطة طريق اولية لعراق مابعد داعش فلنفهم الاسباب اولا وندرس النتائج ثانيا، اقول ذلك لمن يضرب اخماسا في اسداس محاولا وضع تصور افتراضي لعراق مابعد داعش وكان عليه فهم المرحلة التي سبقت داعش لضمان عدم تكرار هذه التجربة المريرة التي افقدت العراق آلاف الضحايا فضلا عن الاف من النساء اللواتي سباهن داعش وباعهن في اسواق النخاسة بثمن بخس، ناهيك عن تدمير البنى التحتية والشواخص العمرانية والآثارية ودور العبادة لجميع الطوائف والاديان، ما يحتاج الى مايقرب من 100 مليار دولار ولعشرة اعوام قادمة لإعادة اعمارها وتأهيل المناطق التي نزح منها ملايين النازحين والذين هُجروا بسبب ممارسات داعش الوحشية معهم دعكَ عن أن تنظيم داعش كلف الاقتصاد العراقي خسارة اقتصادية تقدر بـ35 مليار دولار وفي ظل ظروف اقتصادية عسيرة يضاف اليها نفقات الحرب الباهظة التي تقدر بعشرة ملايين دولار يوميا.
العراقيون وحدهم بتراصّ لُحمتهم الوطنية وبتضحياتهم وشعورهم العالي بالوطنية الصادقة والمواطنية الحقة هم افشلوا المشروع الداعشي وسط تقاعس المجتمع الدولي وضعف مشاركته في الحرب ضد الارهاب وهي الحرب الذي خاضها العراق وحيدا ونيابة عن جميع العالم وكان يفترض بالتحالف الدولي المناوئ لداعش والذي اقتصر دوره على مشاركته بتوجيه غارات جوية لم تكن فعالية بمستوى المعركة، ان يكون اكثر فعالية وجدية لذا كانت معركة الموصل معركة عراقية صرف.
كان المشروع الداعشي الذي اراد له مهندسوه وممولوه الاقليميون تقويض التجربة السياسية الديمقراطية في العراق وافشالها لأسباب سيا/طائفية مكشوفة، تجربةً مريرة يجب ان يتعظ منها جميع الفرقاء السياسيين ويستعدوا لترميم العملية السياسية وانتشالها من الاخطاء البنيوية والتاسيسية التي شابتها مثل المحاصصة والتوافق والفساد لإفشال أي مشروع ارهابي مشابه لداعش مستقبلا لاسمح الله
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي