حجم النص
بقلم: محسن الحلو بنظرة سريعة للواقع الذي نعيشه اليوم من انهيار شبه كامل للمجتمع العراقي بصورة عامة والدولة العراقية بصورة خاصة على الرغم من بقاء بصيص لنور من نوافذ صغيرة هنا او هناك وهذا ما يعول عليه الخيرون القلة المتمسكون بمبادئهم والمخلصون لوطنهم وسط هذا الركام الهائل من التداعيات للقيم والأخلاق وسقوط من يسمون أنفسهم رموزا يمثلون طائفة او كتلة او حزبا دينيا او سياسيا او قومية معينة ومعهم مجموعة من النفر الذين يركضون على (حس الطبل) فهم كالثعالب يعتاشون على فتات ما ترك لهم رؤساؤهم وأسيادهم مما نهشوه من جسد هذا البلد الجريح بسرقتهم لميزانياته التي سموها (انفجارية) لا يردعهم رادع او يمنعهم مانع من دين او حسب او نسب، فهم ينهبون الثروات ويظلمون الشعب في وضح النهار، مما ولد طبقة فقيرة بل معدمة ممن لايحصلون على قوت يومهم او علاج لأمراضهم التي خلفها الحرمان من ابسط الحقوق التي يحصل عليها المواطن في اي بلد من العالم، ومما زاد الطين بلة إصدارهم قرارات مجحفة بحق هذه الطبقة الفقيرة في محاولة لسد العجز الذي حصل في ميزانية الدولة بسبب هبوط أسعار النفط، الذي شاء الله ان يفضحهم به لان هذه سرقات كانت موجودة منذ البداية ويغطى عليها من ميزانيات السنة التالية وبهذا تراكمت هذه السرقات من السنين الفائتة ولكن تدني أسعار النفط وضعهم في موقف لايستطيعون به التغطية عما سرقوه سابقا كما كانوا يفعلون في الأعوام التي مرت وبهذا (طلعت الشمس على الحرامية)، فهذه المافيات المنظمة التابعة الى الاحزاب والكتل استشرت في كل مفاصل الدولة وبطرق جديدة ومبتدعة منذ 2003 ولحد ألان متصورين أن هذا ينطوي على الناس ولكن ((يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ))، والمصيبة الكبرى ان هذه الطبقة الفاسدة والمتنفذة والمتسلطة تركب الآن موجة التظاهرات والمسيرات الاستنكارية التي تخرج ضد من سرق أموال الشعب العراقي ونهب خيراته وتلاعبَ بمقدراته محاولين ان يوهموا الناس بأنهم غير معنيين بالأمر وكأن كل هذا الفساد لم يكن بسببهم، فأصبحوا هم المدعين بالحق الشخصي وهم الخصوم وهم الحكام فسيطروا على الجهة التنفيذية والتشريعية والقضائية والآن نزلوا للشارع يتظاهرون كمظلومين لاسترداد حقوقهم المسروقة فوصلت بهم الحالة الى هذه المهزلة بان يخرجوا بتظاهرات ضد سرقاتهم ولا نعلم كيف يسترجعونها من أنفسهم المريضة، فلا ادري هل يستطيع الشخص ان يكون معارضا ويتظاهر ضد نفسه ام هم كما وصفهم احد مساعدي الحاكم الامريكي للعراق بعد الاحتلال بريمر بأنهم "معتادون على رؤية أنفسهم معارضين أكثر من اعتيادهم على اتخاذ القرارات". وعندما وصلنا الى هذه المرحلة التي من الصعب وليس من المستحيل تجاوزها فعلينا أن نبدأ بمن استولى على تركات النظام المنحل من قصور وبنايات وأموال ومن سرق اول دينار عراقي في عهد الحاكم المدني بريمر وحكومة أعضاء مجلس الحكم الانتقالية وما تلتها من حكومات استغلت هذه الأملاك والأموال لتقوية أحزابهم من خلال شراء أصوات الناخبين في الداخل او استثمارها في الخارج، وبهذا تكونت مافيات من الأحزاب والكتل وانعكست تبعات كل ذلك علينا الآن بسبب تغاضينا او سكوتنا عن السرقات الاولى وهذا هو الذي جعلهم يتمادون بل يوغلون الى المدى البعيد في طغيانهم، وهذا يذكرني بحكاية قديمة تقول إن رجلا حكيما مسنا له سبعة أبناء وبنت واحدة حينما عجز وأصبح مُقعدا لم يُأخذ برأيه وان اسُتشير لايُعمل بمشورته، وفي يوم قُتل كلب عجوز لهم من قبل شاب في القرية، ومن باب العمل بما يمليه العرف نقل الابن الأكبر ما حصل الى والده الذي أشار عليه بان يقتلوا قاتل الكلب فاستغرب الابن وأخوته من كلام أبيهم فكيف يقتلون شخصا لأنه قتل كلبا وبعد مناقشتهم للقضية توصلوا الى ان الأب بدأ يخرف وفقد حكمته المعتادة، وتُرك الأمر على ماهو عليه، لكن بعد مرور مدة من الزمن قُتلت بقرتهم من قبل احد الجيران لأنها عبرت على مزرعته، واخُبر الشيخ بما حصل وكان رأيه ان يقتلوا قاتل الكلب تعجب الأبناء من هذا الرأي كيف يقتلون قاتل الكلب الذي مر على قتله اكثر من سنة ويتركون قاتل البقرة وبعد التشاور المستفيض بينهم توصلوا الى ان والدهم بدأ يخرف فعلا وقرروا بأن لايأبهوا بكلامه بعد الآن، وبعد ان مرت فترة ليست بالطويلة على هذه الحادثة وإذا بشخص من قرية أخرى (ينهب) أختهم الوحيدة مما جعل الأبناء يُذهلون ويذهبون لا إراديا الى أبيهم منكسي رؤوسهم ليخبروه بالمصيبة الكبيرة التي حصلت لهم فأجابهم بحنكة الشيخ المجرب بأن يقتلوا الذيٍ قتل الكلب، وفي هذه المرة بدون تفكير هب الشباب مسرعين الى قاتل الكلب فقتلوه، ورجعوا الى البيت لايدرون اين يخفون وجوههم امام العار الذي لحق بهم، وما هي الا أيام قلائل واذا بالجار الذي قتل البقرة ومعه الشيوخ والوجهاء من كل القرى المجاورة وقفوا امام بابهم، راجين منهم العفو وان يأخذوا ما شاءوا من الأبقار بدل البقرة الواحدة التي قتلها، ولم تمر الا أسابيع واذا بالشخص الذي (نهب) أختهم يأتيهم حاملا كفنه بيده ومعه ايضا شيوخ ووجهاء العشائر بأضعاف مما جاء بهم سابقا طالبا منهم السماح والموافقة على طلبه بالزواج من أختهم وان يأخذوا ما يشاءون من الأموال مهرا لها. فعلينا ان نبدأ بكشف السراق الأوائل الذين سنوا سُنة السرقة وتهريب الأموال واستغفال الشعب الذي منحهم الثقة المطلقة باعتبارهم وطنيين مخلصين للعراق او بأنهم ينتمون الى أحزاب دينية لها تاريخ مشرِّف او كونهم متضررين من النظام السابق، ولكن مع الأسف كانوا نقطة سوداء في تاريخ أحزابهم وشوهوا بأعمالهم المشينة الصورة التي رُسمت بمخيلة الناس عنهم. فأذن نحن بحاجة الى قلع هؤلاء من الجذور من خلال محاسبة جميع المفسدين بدون استثناء سواء كان رئيس حزب او كتلة او زيرا او شخصية اجتماعية او دينية اذا كان متهما بهدر الأموال العامة او التصرف بها لصالح الجهة التي ينتمي اليها، فمقولة (عفا الله عما سلف) بدت لاتنفع مع هؤلاء بل تولد مجاميع اخرى من السراق، والتغيير الحقيقي الاخر هو ان نؤسس لانتخابات قادمة خالية من هذه الوجوه التي دمرت بلدنا العزيز.