- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حرامي (بعقوبة) وحرامية الحكومة!!
حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي قرأت في بعض المواقع العراقية المحترمة خبرأ (مهماً) أمس.. مفاده أن لصاً في محافظة ديالى، قام بسرقة عشرة ملايين دينار عراقي من منزل سكني يقع شمال شرق بعقوبة.. لكن هذا (اللص الشريف) أعاد المبلغ كاملاً بعد يومين من سرقته، بعدما إكتشف أن المبلغ المسروق هو ميراث أطفال يتامى عن بيع قطعة سكنية يملكها أبوهم قبل رحيله عن الدنيا بحادث إنفجار..!! وللحق، فإن هذا الخبر الذي (دوخني) كثيراً بما حمل من أمر غريب وعجيب، في زمن، هو الأشد عجباً وغرابة، قد أضاء في قلبي شمعة الأمل، وفتح في روحي نوافذ الأماني التي كانت مغلقة منذ زمن بعيد، وأقصد أماني الإنسانية، والوطنية، والتكافل الإجتماعي، والأمانة، والمودة بين الناس، والحب، والتعاضد، والغيرة، والشهامة العراقية المعروفة، وقيما أخرى، كنا نتمنى أن يعود اليها مجتمعنا العراقي الأصيل، بعد أن غابت هذه القيم في زمن صدام، وعصابة البعث الفاشية، وبعد أن أصبحت السنوات في تلك الحقبة مظلمة تماماً، حيث شهدت منظومة القيم الأخلاقية للأسف تراجعاً، وإنهياراً كبيراً، إذ كلما يمر علينا زمن جديد، تتهدم قيم، وتنهار بناءات متعددة، بناءات ما كان أحد يتوقع أن تنهار قطعاً، بحيث كان الأب (البعثي) يتلصص على أبنه وفلذة كبده، ليكتب تقريراً حزبياً عن نشاط هذا الأبن، وكان الأخ (الضابط في جهاز الأمن) يتجسس على تحركات أخيه كي يحظى بترفيع وظيفي أو كتاب شكر من مديره، حتى أصبحت البيوت العراقية المعروفة بتماسكها آنذاك، هشة مثل بيوت العناكب الواهية، التي يمكن التخلص منها بنفخة واحدة.. وبعد زوال نظام صدام الكارثي، توقع الناس حدوث ثورة في الواقع الإجتماعي والقيمي العراقي البائس، ثورة أو إنقلاب يسهم في تغيير ما كان معيباً في واقع العراقيين، وتصحيح ما كان سائداً من تراجع، وضعف، وأمراض إجتماعية وتربوية خطيرة. لكن الذي حدث عكس ذلك، فقد جاء (الجماعة) بأمراض جديدة أشد فتكاً، ومعطيات سيئة لم تكن موجودة حتى في ذلك العهد الأسود بل إنها غير متوقعة بالمرة.. فبات الفساد في الزمن الديمقراطي الجديد هويةً يتباهى بها أغلب المسؤولين العراقيين، وأصبحت الرشوة مفخرة عظيمة في نظر (زعماء الجهاد والنضال)، وفضيلة تلمع وجوههم الكالحة، وباتت المحسوبية وساماً يعلقه المسؤولون الحكوميون، وغير الحكوميين على صدورهم، حتى وصل الأمر الى أن يصبح العراق في أول جداول الفساد في العالم، وقد ثبت ذلك في تقارير المنظمات العالمية، ومنها منظمة الشفافية الدولية.. وحين يقع العراق الكبير، الذي إنطلقت منه قوانين العدل الأولى في التاريخ عبر مسلة حمورابي الشهيرة، في مقدمة صفوف الدول الفاسدة، ويضع المسؤولون الحكوميون كيان الدولة العراقية، وقوانينها، وشخصيتها، تحت أحذيتهم، وهم الذين يفترض بهم حماية كيان وقوانين وشخصية الدولة العراقية من المعتدين، فهذا يعني أن الخراب قد وصل الى الحد الذي لايمكن إصلاحه، وإن البلاد قد سقطت بشكل كلي في وحل الفساد، ومستنقع اللادولة، بحيث بات سقوطها كارثياً لا أمل فيه، وهو السقوط الذي لم يكن بنظر المنظمات الدولية المعنية فحسب، إنما هو في نظر جميع المواطنين العراقيين أيضاً. لأنه سقوط (قيمي)، وحكومي، وشرعي، وأخلاقي، ومثله يكون أمر معالجته صعبا للغاية، والمشكلة فيه، أن مساحة الخلل، والفساد، صارت تكبر وتزداد في العراق كل يوم، بحيث صرنا نفرح، ونحتفل (بحرامي) لأنه أعاد المبلغ الذي سرقه الى أصحابه اليتامى الصغار!! ومع هذا، فإن هذا اللص برأيي (أشرف) من كل المسؤولين الذين سرقونا - نحن اليتامى الكبار- ولم يعيدوا لنا المبالغ المسروقة حتى هذه اللحظة.. وهنا يتساوي السراق الذين صدرت بحقهم مذكرات قبض، أم لم تصدر بعد.. فتحية لحرامي بعقوبة الذي يمتلك ضميراً نقياً، أبيض، وتباً لكل حرامية الحكومة، الذين تسخمت ضمائرهم بسواد المال الحرام!!