حجم النص
بقلم:نـــــــــــزار حيدر انّ التّوثيق والتّحديث عنصران مهمّان في عمليّة تنشيط ذاكرة الامم والشعوب، لتتعلّم وتنضج وتتطوّر. فبقدرِ ما يسعى الطّاغوت لتجهيلِ النّاس من خلال العملِ بكلِّ الوسائل وبكلّ ما بوسعه لينسوا ويغفلوا ليسهَل عليه إِحكام قبضتهِ الحديديّة عليهم وبالتالي يسهَل عليه سرْقة الوطن وخيراتهِ وكلّ الفرص المُتاحة، لهُ ولزبانيتهِ ومحازبيهِ وعشيرتهِ، بنفسِ القدر ينبغي ان يبذُل المصلح والثّائر ما بوسعهِ لتوثيق جرائم الطّاغوت لتنشيط ذاكرة المجتمع وكذلك تحديثها على مستويين؛ التّكرار والاسلوب والأدوات. اذا نسِيَ النَّاسُ الحقائق، او تناسَوا، فتنقلبُ عندهمُ رأساً على عقِب، اذا بيزيدٍ القاتل الفاجر السكّير المنحرف ابْن الطّلقاء أَميراً للمؤمنين والحسين السّبط سيد شباب أهل الجنة وريحانةِ رسول الله (ص) يُقتل بسيف جدّه!. لم يضيّع الحسين عليه السلام أيّة فرصة تمر من دون ان يذكّر الطّاغوت بتاريخهِ الأسود وجرائمهِ البشعة، وهو في نفس الوقت يذكّر النّاس بها من أجل ان لا يُخدع به أحدٌ، فيُقتل الحسين عليه السّلام. فقد قدِم مُعاوية بن هند آكلة الأكباد إلى المدينة حاجّاً، وفيها مهّد لاستخلاف ولده يزيد، ولكنّ الحسين (ع) رفض قائلاً في مجلسهِ: {أمّا بعد، يا معاوية، فلن يؤدّي القائل، وإن أطنبَ في صفةِ الرّسول (ص) من جميعٍ جزا، وقد فهمتُ ما لبّست به الخلف بعد رسول الله (ص) من إيجاز الصّفة والتنكّب عن استبلاغ النّعت، وهيهاتَ هيهاتَ يا مُعاوية، فضحَ الصُّبحُ فحمةَ الدُّجى، وبهَرتِ الشمسُ أنوار السِّرج، ولقد فضّلتَ حتّى أفرطتَ، واستأثرت حتّى أجحفتَ، ومنعتَ حتّى بخلتَ، وجُرتَ حتّى جاوزتَ، ما بذلتَ لذي حقِّ مَن أتمّ حقّهُ بنصيبٍ، حتّى أخذَ الشّيطانُ حظّهُ الأوفر، ونصيبهُ الأكمَل. وفهمتُ ما ذكرتهُ عن يزيد، مِن اكتمالهِ وسياستهِ لأمّة محمّد، تريدُ أن توهمَ النّاس في يزيد، كأنّك تصِفُ محجوباً، أو تنعتُ غائباً، أو تُخبرُ عمّا كان ممّا احتويتَهُ بعلمٍ خاصٍّ، وقد دلّ يزيد من نفسهِ على موقِع أبيهِ، فخذْ ليزيد فيما أخذَ به من استقرائهِ الكِلاب المهارشَة عند التَّهارش، والحمام السّبق لأترابهنّ، والقينات ذواتِ المعازِف، وضروبِ الملاهي، تجدْهُ ناصراً، ودعْ عنك ما تُحاول، فما أغناكَ أن تلقى الله بِوزْرِ هذا الخَلق بأكثرِ ممّا أنتَ لاقيه، باطلاً في جَوْر، وحنَقاً في ظُلم، حتّى ملأتَ الأسقيةِ، وما بينكَ وبين الموتِ إلاّ غمضةٌ، فتقدِمُ على عملٍ محفوظٍ في يومٍ مشهودٍ، ولاتَ حين مناص. ورأيتكَ عرّضتَ بنا بعد هذا الأمرِ ومنعتَنا عن آبائِنا، ولقد، لعمرُ الله، أورثنا الرسول (ص) ولادةً، وجئتَ لنا بها ما حججتُم به القائم عند موت الرسول (ص) فأذعنَ للحجّة بذلك، وردّه الإيمان إلى النَّصَف، فركِبتم الأعاليل، وفعلتُم الأفاعيل، وقلتُم: كان وما يَكُونُ، حتّى أتاكَ الأمرُ يا معاوية من طريق كان قصدُها لغيركَ، فهناكَ فاعتبروا يا أُولي الأبصار. وذكرتَ قيادةَ الرّجل القوم بعهدِ رسول الله (ص) وتأميرَه لهُ، وقد كان ذلك، ولعمرو بن العاص يومئذٍ فضيلةٌ بصحبةِ الرّسول وبيعتهِ لهُ، وما صار لعمرو يومئذٍ حتّى أنِفَ القومُ إمْرتهُ، وكرِهوا تقديمَهُ، وعدّوا عليه أفعالهُ، فقال (ص) {لا جرمَ معشِر المهاجرين، لا يعملُ عليكم بعد اليوم غيري} فكيف يحتجّ بالمنسوخ من فعلِ الرّسول في أوكدِ الأحوالِ وأولاها، بالمجتمعِ عليهِ من الصّواب؟ أو كيف صاحبتَ بصاحِبٍ تابعٍ، وحولك مَن لا يؤمَنُ في صُحبتهِ؟ ولا يُعتمدُ في دينهِ وقرابتهِ؟ وتتخطّاهم إلى مُسرفٍ مفتون؟ تريدُ أن تُلبسَ النّاسِ شبهةً يسعدُ بها الباقي في دنياه، وتشقى بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسرانُ المبين، واستغفر الله لي ولكم}. أُنظر كيف فضح الامام (ع) الطّاغوت على رؤوسِ الأشهاد وهو في عنفوانِ سُلطانهِ وعلوّ مُلكهِ، لدرجةٍ انّ الامام يذكرهُ باسمهِ بلا ألقابَ من تلك التي تطربُ لها آذانُ الظّالم واسماع الحواشي من الوصولييّن والانتهازيّين. وصدق أَميرُ المؤمنين (ع) الذي يصف المؤمن، سيّد الشّهداء (ع) هنا ابرزُ مصداقٍ، بقوله {وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً! فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَاب وَصِلُّ وَاد لاَ يُدْلِي بِحُجَّة حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً}. وفي رسالةٍ جوابيّةٍ كتبها سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام الى طاغية الشام مُعاوية، يتّهمهُ فيها انّهُ يعدّ العدّة للتمرّد على سلطانهِ وانّهُ يحرّض النّاس ضدّهُ، كتب اليه الحسين السّبط (ع) يذكّره ويذكّر النّاس بحرائمهِ البشعة التي يندى لها الجبين؛ أمّا بعدُ، فقد بلغني كتابك تذكر انّهُ بلغتكَ عنّي أُمورٌ ترغبُ عنها، فان كانت حقاً لم تقارنّي عليها، ولن يهدي الى الحسنات ويسدّد لها الا الله، فأمّا ما نمى اليك فانّما رقاهُ الملّاقون المشاؤون بالنّمائم، المفرّقون بين الجميعِ، وما أُريد حرباً لك ولا خلافاً عليك، وايمُ الله لقد تركتَ ذلك وأنا أخافُ الله في تركهِ، وما أظنّ الله راضياً عني بتركِ محاكمتك اليه، ولا عاذري دون الاعذارِ اليه فيكَ وفي أوليائكَ القاسطين الملحدين، حزب الظّالمين وأولياء الشّياطين. ألستَ قاتل حجر بن عدي و أصحابهُ المصلّين العابدين، الذين ينكرونَ الظلم ويستعظِمون البِدع، ولا يخافونَ في الله لومةَ لائمٍ، ظلماً وعدواناً، بعد إِعطائهم الأمان بالمواثيق والايمان المغلّظة؟!. أولستَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) الذي أبْلتهُ العبادة وصفرت لونهُ وأنحلتْ جسمهُ؟!. أولستَ المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراشِ عبيد عبدِ ثقيف، وزعمتَ أَنَّهُ ابْنُ أبيك، و قد قال رسول الله (ص) {الولد للفراشِ وللعاهرِ الحِجْر}؟ فتركتَ سنّة رسول الله (ص) وخالفتَ أمرهُ متعمّداً، واتّبعتَ هواكَ مكذّباً، بِغَيْرِ هدىً من الله، ثم سلطتهُ على العراقينِ فقطعَ أيدي المسلمين وسمل أعينهُم، وصلبهُم على جذوع النّخل، كأنّك لستَ من الامة وكأنّها ليست منك، و قد قال رسول الله (ص) {من ألحقَ بقومٍ نسباً لهم فهو ملعون}!. أولستَ صاحب الحضرميّين الَّذَين كتب اليك ابْنُ سُميّة أنّهم على دين علي (ع) فكتبتَ اليه: أُقتل من كان على دينِ علي ورأيهِ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودينُ عليٍّ (ع) دينُ مُحَمَّدٍ (ص) الذي كان يضرب عليه أباكَ، والذي انتحالكَ ايّاهُ أجلسكَ مجلسكَ هذا، ولولا هو كانَ أفضلُ شرفِكَ تجشّم الرّحلتَينِ في طلبِ الخُمور!. وقلت: أُنظر لنفسكَ ودينك والامة، واتّق شقِّ عصا الأُلفة وأن تردّ الناس الى الفتنة! فلا أَعْلَمُ فتنةً على الامَّةِ أعظمُ من ولايتكَ عليها! ولا أَعْلَمُ نظراً لنفسي وديني أفضلُ من جِهادكَ! فَإِنْ أفعلهُ فهو قربةً الى ربّي وَإِنْ أتركهُ فذنبٌ استغفرُ الله مِنْهُ في كثيرٍ من تقصيري، وأسألُ الله توفيقي لأرشدَ أُموري. وأمّا كيدُك إيّاي، فليسَ يَكُونُ على أحدٍ أضرّ مِنْهُ عليك، كفِعلك بهؤلاءِ النّفر الذين قتلتَهم ومثّلت بهم بعد الصّلح من غيرِ أن يكونوا قاتلوك ولا نقضوا عهدكَ، الا مخافةَ أمرٍ لو لم تقتُلهم متَّ قبل أن يفعلوهُ، أو ماتوا قبل أن يُدركوهُ، فأبشر يا مُعاوية بالقَصاص، وأيقن بالحساب، واعلم انّ لله كتاباً لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً الا أحصاها، وليس الله بناسٍ لك أخذك بالظِّنَّةِ، وقتلكَ أولياءهُ على الشُّبهةِ والتُّهمةِ، وأخذكَ النَّاسُ بالبيعةِ لابنكَ؛ غلامٌ سفيهٌ يشربُ الشّراب ويلعبُ بالكِلاب! ولا أعلمكَ الا خسِرتَ نفسكَ، وأوبقتَ دينكَ، وأكلتَ أمانتكَ، وغششْتَ رعيّتكَ وتبوَّأتَ مقعدَكَ من النّار فـ {بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. من هذين النّصين نتعلّم؛ ١/ ان يكونَ المرءُ عارفاً بكلّ التّفاصيل وبدقائقِ الامورِ اذا أرادَ ان يناقشَ او يحاورَ او يحاججَ لتأتي حجّتهُ دامغةً. ٢/ فضحُ الظّالمِ وتعريتهُ وتعداد جرائمهُ يحصّن الامّة من احتمالاتِ التّضليل والخِداع التي يُمارسها الطّاغوت لاستغفالها. ٣/ ان يكونَ الحوارُ والمحاججةُ بالمنطقِ والدّليل القاطع بعيداً عن السّباب والشّتائم وسياسات التّقسيط العشوائيّة، اذ يكفيكَ انَّكَ تفضح الطّاغوت فتغتال شخصيّتهُ السّياسيّة بمجرّد ان تذكر سيّئاتهِ وافعالهِ المُنكرة وجرائمهِ البشعَةِ. ٤/ لا ينبغي لعاقلٍ ان يتهرّبَ من الحوارِ أبداً حتّى مع خصمهِ وعدوّهِ، فاذا كانت الأدلّة العقليّة والبراهين المنطقيّة لا تؤثّر في الطّاغوت فلا يغيّر من سلوكهِ، فهي تؤثّر في القارئ والسّامع ولو بعدَ حين، وربّما يُسجّل حواركَ التّاريخ، كما هو الحال اليوم بالنّسبة الى هذين النّصّين، فهُما وأمثالهُما سجّلا حقائق مهمّة ومصيريّةِ لنا ربّما كانت ستختفي وقد محبتها ذاكرة التّاريخ والأجيال بفعلِ تأثيرِ عمليّات غسلِ الادمغة التي يُمارسها الطّاغوت اذا لم يكن الامامُ (ع) قد سجّلها وثبّتها. ٥/ انّ قول (ميفيد) سياسة فاشلة، فالحوارُ ينفعُ دائماً، والاحتجاج يفيدُ دائماً، ولذلك ثبّت القرآن الكريم كلّ الحوارات التي جرت بين الامم وأنبيائها بل انّهُ نقلَ لنا تفاصيل الحوار الذي جرى بين ربّ العباد وإبليس عليه اللعنة، وكلّ ذلك ليقول لنا تعالى انّ الحوار واجبٌ في كلّ الأحوال، ومع الجميع. فبالحوارِ العقلاني والمنطقي يمكننا حلّ ما لا يمكن حلّه بالوسائل الاخرى من مشاكِلنا، خاصةً على الصّعيد الاجتماعي، الأُسرَي تحديداً. ٦/ الشّجاعة ُ مطلوبةٌ في الحوارِ، فالخوفُ والضّعفُ والجُبنُ والتردّد يفقِدُ المُحاورُ صاحب الحقّ، فُرَصٌ كثيرةٌ لتبليغِ رسالتهِ وفضح الطّاغوت. علّمتنا كربلاء ان التّوثيقَ يُنَشّط ذاكرة الشّعوبِ والامم، ولذلك ينبغي علينا الان ان نوثّق جرائم الإرهابييّن وكلّ الجرائم التي يرتكبها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، حتّى لا يفلتَ من العِقاب ولا يخدَع المغفّلين ولا تَنسى شعوبنا فيتكرّر عندها التّاريخ بأسوأ تفاصيلهِ فتقتلَ الحسين (ع) في كلّ آنٍ!. E-mail: nhaidar@hotmail. com