حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ واخيرا دخلت العاصفة التي أثارتها موقع ويكيليكس مؤخرا، أروقة البرلمان ومتاهات اللجان التحقيقية البرلمانية التي تتعامل بمنطق (السين) و(السوف)، وبعد ان اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي ووسائل الإعلام لا سيما الفضائيات منها بما لا يعد او يحصى بالتعليقات والآراء المتضاربة والمقالات والتحليلات والحوارات والومضات وبعد ان ولجت سوق المناكفات السياسية والتضاربات الكيدية وبعد ان اعترفت الخارجية السعودية ان أرشيفها تعرض لاختراق من قبل "الجيش الالكتروني اليمني"، وربما كان هذا الاختراق هو الذي يقف وراء تسريب هذه الوثائق، وذلك بخصوص "الدفعة" الاولى حوالي (70 الفا) من الوثائق السرية (من اصل 600 الف) التي سربها موقع ويكيليكس والتي تحتوي على مراسلات تخص وزارة الخارجية السعودية واستخباراتها ولها ارتباط خاص بالشأن العراقي الداخلي وللتوضيح فان ويكيليكس هي منظمة دولية غير ربحية تنشر تقارير وسائل الإعلام الخاصة والسرية من مصادر صحفية وتسريبات أخبارية مجهولة. بدأ موقعها على الإنترنت سنة 2006 تحت مسمى منظمة سن شاين الصحفية.. أما اسم الموقع فقد جاء من دمج كلمة (ويكي) التي تعني الباص المتنقل مثل المكوك من وإلى مكان معين وكلمة (ليكس) ومعناها بالإنكليزية (التسريبات) وهذا يعني ان اسم الموقع (باص التسريبات المتنقل). تأسس الموقع في تموز 2007 على يد الاسترالي (جوليان اسانج) وبدأ منذ ذلك الحين بالعمل على نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية من أجل حماية المبادئ التي قام عليها، ومنها صدقية وشفافية المعلومات والوثائق في أنحاء متفرقة من العالم، وانطلق الموقع بداية من خلال حوار بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت. وفي ما يخص الشأن العراقي فان بعض التسريبات كانت عبارة عن تقارير مصنفة "سري للغاية" تتضمن مخاطبات من جهات سعودية بينها وزارة الداخلية والاستخبارات العامة وعرضت المخاطبات طائفة من أسماء السياسيين والإعلاميين ورجال القبائل العراقيين تخصهم المملكة بالمُنح المالية، ومنها الاتصالات التي قام بها بعض هؤلاء الاشخاص من تلقاء انفسهم والتي تدخل في باب تقديم "الخدمة" للدولة السعودية بشكل مباشر او غير مباشر كما كشف الموقع عن تورط المملكة في التدخل في الشؤون الداخلية العراقية عن طريق إرشاء سياسيين واعلاميين بالمال فضلا عن زمن الافراج عن هذه الوثائق ففي الحقيقة لم يكن الامر - كما قيل من قبل موقع (ويكيليكس) – مجرد مصادفة، اذ ليس ثمة مصادفة في الامر. ويكشف التسريب وتوقيته عن عدة حقائق منها: 1- ما يخص العلاقة المتوترة ما بين اسانج وبين الولايات المتحدة نفسها كونه سرب في وقت سابق العديد من الوثائق السرية الدفاعية والاستخباراتية الاميركية ما جعلها في موقف محرج عالميا اضطرت بسببه الى اتخاذ موقف سلبي وحاد من اسانج الذي لم يتردد عن ضرب الولايات المتحدة وابرز حلفائها في الشرق الاوسط. 2- قد تكون هذه التسريبات مفتعلة لضرب عصفورين بحجر واحد: زرع الشك في نفوس العراقيين تجاه سياسييهم او تكون محاولة لإجهاض آخر محاولة لإعادة تطبيع العلاقات بين العراق والسعودية خاصة بعد تسمية السفير السعودي في بغداد. 3- كشفت هذه الوثائق ليس فقط عن مدى تورط السعودية في الشأن العراقي الداخلي بل انها وبعد ان اعترفت بصحة "صدور" هذه الوثائق حاولت ان تظهر نفسها كقوة إقليمية عظمى وقادرة على تمرير أجندتها السيا/ طائفية من خلال عناصر فاعلة في المشهد السياسي العراقي والتلاعب بموازين القوى العراقية من خلال تلك العناصر. 4- وفي ما يخص التوقيت الذي لم يكن مصادفة فمهما كانت النية المبيتة لمن قام بهذا التسريب فان هذه الوثائق من شأنها ان تحدث إرباكا على مجمل الفعاليات السياسية في وقت يكون العراق فيه بحاجة الى الانسجام الوطني والانضباط السياسي والتوازن المجتمعي ومن اولى مظاهر الإرباك اشتعال المناكفات والمزايدات السياسية بين الفرقاء السياسيين واستحضار نظرية المؤامرة على قدم وساق فالبعض منهم اتهم علنا من وردت أسماؤهم في تلك الوثائق بالخيانة العظمى وتهمة التخابر مع جهة أجنبية وطالب البعض بتفعيل قانون العقوبات المعدل رقم 111 لعام 1969 وهي عقوبات تتراوح بين الإعدام والمؤبد بحق كل من ثبت تورطه بعمليات تخابر مع جهات أجنبية والإضرار بمصلحة البلد، فيما لم يتولَ أي من هذه الشخصيات التي وردت اسماؤها ضمن الوثائق باتخاذ إجراء كما هو معهود به في دول العالم كتقديم الاستقالة او التنحي عن الحياة السياسية، لا بل انهم حتى لم يقدموا اعتذارا على الاقل لجمهورهم وناخبيهم والبعض منهم يشكل رموزا لا يرقى اليها الشك تشكل أعمدة العملية السياسية التي قامت على أنقاض وخرائب الديكتاتورية المقيتة وسواء صدقت تلك الوثائق او لم تصدق فان أثرها لن يزول بالسرعة التي تسربت فيها وهذا هو المطلوب، ولعل ويكيليكس سيكون فتنة للإطاحة بالعملية السياسية، وقانا الله شرها. اعلامي وكاتب