حجم النص
بقلم:عبدالزهرةالطالقاني لم يكن المسير الى الامام موسى بن جعفر عليه السلام يوم استشهاده مسيراً دينيا وشعائر ذات ابعاد عبادية وعرفانية بحق الائمة الاطهار عليهم السلام والدور الريادي الذي قاموا به في تثبيت اركان الاسلام بالضد من اسلام السلطات وعلى مدى القرون الثلاثة الاولى بعد الهجرة النبوية المباركة. اقول لم يكن هذا المسير طقسا ذا ابعاد دينية فحسب.. بل هناك ابعاد اخرى، استطاع من خلالها العراقيون ومنذ عصور مضت ان يقولوا للسلطات (لا) تلك السلطات الغاشمة والظالمة.. والتي اتخذت من الدين شعاراً لتثبيت اركانها.. بينما ارتكب ساستها الموبقات ومارسوا شتى انواع الظلم على الرعية التي لاحول لها ولا قوة. كان موسى ابن جعفر اماما هادياً مهدياً متمسكاً بكتاب الله وسنة نبيه عليه افضل الصلاة والسلام.. وكان عالماً ثائراً مناهضاً لكل اشكال التمييز العنصري والفئوي.. وكان عابداً زاهدا ً في الدنيا متوجها ً الى مرضاة الله عزوجل.. ولم يطلب يوما ً جاها ً او سلطانا،ً او يزاحم الخليفة العباسي على كرسي الخلافة.. الا انه لم يكن مهادنا ً، مطاوعا ً، مداحا ً، متقربا الى الخلفاء كبقية القوم.. ولهذه الاسباب اودع السجن.. لم يرتكب جناية خيانة الوطن والامة.. ولم يعمل لصالح قوى اجنبية.. ولم يتصل بأي من دول الجوار.. كل ما فعله انه حافظ على استقلاليته وبيضة الاسلام.. ولم ترض السلطات التي حكمت الناس بالحديد والنار باسم الاسلام تلك السجية، يعزز ذلك لديهم فقهاء السلطة والوصوليون وخدمة السلطان.. فزُج هذا العابد الزاهد في السجن طيلة خمسة عشر عاما ً، حتى قضى فيه مسموما.. فحمل الى شريعة قرب جسر بغداد على نهر دجلة ونؤدي عليه يومها هذا امام (الرافضة) وهذا غريب الديار.. فهبت الناس الى حمله وتشييعه الى مثواه في مقابر قريش (الكاظمية) في الوقت الحاضر. ومنذ ذلك الوقت والناس تسأل: مالذي عمله موسى بن جعفر (ع) حتى يلقى هذا المصير على يد خليفة سمي عصره بالذهبي ؟ وبقي السؤال حائرا ً دون اجابة.. وبقي التأريخ يدور بحكاية هذا العابد الزاهد وكثير من العباد الزاهدين الذين قضوا على ايدي السلطات الغاشمة. لذلك فان المسير الى موسى بن جعفر ليس للتعزية واحياء مناسبة الاستشهاد فقط، وانما لاثارة السؤال: لم قُـتل موسى بن جعفر ولم حوصر اباؤه من قبله ؟ وابناؤه من بعده ؟ عليهم السلام جميعا. ولهذه الاسباب ايضا منع الطاغية صدام المسير الى موسى بن جعفر والمسير الى كربلاء؟ ولتلك الاسباب ايضا يقتل السائرون اليه لاداء مراسم الزيارة،وماحدث في الكرادة ببغداد يوم السبت الموافق 9 أيار 2015 هو جزء من ذلك. فهذا السؤال تحمله الجموع الزاحفة نحو الضريح المقدس، لتقديم التعازي والهتاف ضد الظلم والطغيان، وامتهان كرامة الناس والاعتداء على حقوقهم في كل زمان.. كما ان المراسم التي ترافق هذه التظاهرة السياسية الكبرى، تعبر بشكل واضح عن تمسك العراقيين بنهج قويم، يدعوا الى اسلام بلا عنف ولاتسلط ولا وعاظ سلاطين. فالمنتظمين على طول الطريق الى موسى بن جعفر، يقدمون خدماتهم للسائرين من طعام وشراب ودواء واية خدمات يطلبها (الزائر)، انما يكملون المشهد التراجيدي للجموع وهي تعبر عن رأيها وتوجهها ورفضها لكل ما يشوه صورة الاسلام الحقيقي الذي نزل على رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام، بمفهوم.. (ليس لك من الامر شيئ.. ولست عليهم بوكيل.. ولست عليهم بمسيطر..) فاذا كان الرسول بعظمته وقدسيته لم يكن خليفة لله في الارض، ولم يكن وكيلا ً على الناس بأمر الباري عزوجل، فكيف لأولئك الذين نصبوا من انفسهم خلفاء لله دون ان يراعوا حق عباده في الارض.. لذلك سوف يستمر المسير نحو العابد الزاهد موسى بن جعفر، ونحو الكاظمية ، ونحو الحسين الشهيد بأرض كربلاء.. ليس لرفض الظلم والطغيان فحسب، بل لتحذير كل من تسول له نفسه ان يسير على منوال اولئك الطغاة.