حجم النص
عبدالزهرة الطالقاني غالبا ماترافق الظواهر الايجابية ظواهر سلبية، يتسبب بها متطفلون على وسط هو غير وسطهم، ومجال لا يعد مفتوحا لكل ما تستوعبه بقية الاوساط والبيئات، او بعضها على اقل تقدير.. ولعل الامثلة على ذلك كثيرة، منها المتجاوزون الذين ياتون من مناطق شتى الى مناطق اخرى، ويستغلون المساحات الخالية المخصصة للخدمات والمنشآت العامة ضمن التصميم الاساس، فيقومون بالاستيلاء عليها وانشاء وحدات سكنية بدائية، لاتنسجم مع الطراز المعماري في تلك المناطق، اضافة الى كون القاطنين الجدد يتخلقون باخلاق وطبائع واعراف وعادات، غير تلك التي يتخلق ويتطبع بها ويمارسها سكنة المناطق الاصليون، مايشكل فجوة اجتماعية كبيرة، قد تؤدي الى اشكالات وصراعات جديدة بسبب الاحتكاك، وتعارض المصالح، وخلق نزاعات عشائرية سوى التشويه الذي يحصل في النسيج العام للحالة العمارية في تلك المناطق. المهم ليس هذا موضوعنا، بل اتينا به مثلا لما نريد ان نصل اليه.. شارع المتنبي ظاهرة حضارية ثقافية بدأت تتطور شيئا فشيئا حتى اصبحت واحدة من اهم المظاهر المشرقة في العاصمة بغداد.. واصبح هذا الشارع يستقبل آلاف الناس من المهتمين، فنانين وادباء، وكتاب وصحفيين، وقراء مثقفين باحثين عن عناوين جديدة، وطلاب دراسات عليا، واساتذة جامعات.. وتقام في المركز الثقافي البغدادي مجموعة من المحاضرات والمعارض الفنية تجلب انتباه كثير من المهتمين، اضافة الى رواد مقهى الشابندر، وبيت المدى الثقافي، واستراحة القيصرية.. سوى مبنى القشلة التراثي والاعداد الغفيرة التي يستقطبها، بحيث ان مشهد المتنبي لا يتكرر في أي منطقة اخرى من مناطق بغداد. هذا المشهد يتجدد كل يوم جمعة فيجلب المتعة والمعرفة للذين يتابعون النشاطات. وسط هذا الخضم ينتشر المتسولون.. ويستغلون الاعداد الكبيرة من الناس الذين يأمون الشارع ليسترزقوا ويستجدوا عطفهم.. وهؤلاء المتسولون متنوعون.. كبار وصغار، رجال ونساء، ومنتشرون وموزعون في اماكن مختلفة من الشارع مايفسد عليه بهاءه ورونقه.. ويظهر مع حسن وجهه الثقافي، بؤس الحالة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها بغداد.. المتسولون يزدادون يوميا، وتدخل الشارع افواج جديدة منهم كل اسبوع. وهم موجودون في كل مكان.. ولا يكاد يخلو مكان منهم، وهم يستجدون عطف الناس، ولا احد يعرف حقيقتهم ان كانوا محتاجين فعلا، ام انهم جزء من ادوات مافيات تقف وراءهم وتسخرهم لهذا الغرض. الجهات المعنية غافلة عن هذا الموضوع تماما.. لا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولا وزارة الداخلية، ولا امانة بغداد، ولا محافظتها، يفعلون شيئا ازاء هذه المجاميع التي تمتهن التسول وتنتشر في كل مكان وصولا الى شارع المتنبي.. هذا الشارع لم يعد يقتصر على العراقيين فحسب، بل اصبح يشغل اهتمام وفود عربية واجنبية، وصحفيين اجانب عاملين في العراق، وهذا التشوية لمنظر الحضارة والثقافة يخدش مضمون الرسالة التي تنطلق من شارع الثقافة البغدادي الى العالم، ويتسبب في ايصال رسالة سلبية غير محبذة.. المتسولون لم يكتفوا بالتواجد في شارع المتنبي فحسب، بل انهم دخلوا الى مبنى القشلة.. فهؤلاء موجودون حيث يتجمع الناس، وحيث يحصلون على عطاياهم.. بل ان بعضهم دخل الى المركز الثقافي البغدادي، ولم يكتفوا بهذا، بل دخلوا الى القاعات التي تقام فيها المعارض الفنية والمحاضرات، واخذوا يطلبون من الحضور اموالا، وهذه الظاهرة بدات تستشري شيئا فشئيا مايؤثر بشكل سلبي في المشهد الجميل للنشاطات الثقافية. لا بد من حلول مشتركة، تتمثل بقيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بارسال فريق الى شارع المتنبي يوم الجمعة، والوقوف على الحالة، وتسجيل اسماء المتسولين لغرض صرف راتب الرعاية الاجتماعية لهم.. واذا ثبت انهم يتقاضون هذه الرواتب يمنعون من التسول وبخلافه يعرضون انفسهم الى مساءلة قانونية، قد تؤدي الى الحبس او الغرامة، كما ان دور وزارة الداخلية ياتي من خلال توجيه قوة الحماية المكلفة بامن الشارع والمرافق الموجودة فيه، بمنع دخول أي متسول مهما كانت الاسباب.. ومنع هؤلاء ايضا من دخول مبنى القشلة ومبنى المركز الثقافي البغدادي. ان الاستطلاعات والدراسات التي اعدت حول ظاهرة التسول في العراق تشير الى ان معظم هؤلاء مرتبطين باشخاص يقومون بايوائهم والسيطرة عليهم، وتسخيرهم لجلب الاموال لهم.. وكونهم مجموعة من المشردين يستحقون الرعاية والمتابعة، والاسكان في دور الدولة المتخصصة، سواء كانت للمسنين ام الارامل ام الايتام، واذا ماعولجت هذه الحالة بشكل جيد يمكن ان نكون قد انصفنا هؤلاء، وعالجنا ظاهرة سلبية طالما شوهت الوجه الجميل لشارع المتنبي الذي يزداد ألقا كل يوم .