برغم الصمت النسبي، وغياب (الجدال) على المستوى العلني في كردستان، يدفع الزعماء الأكراد –كما يقول سام داغر المحلل السياسي في صحيفة النيويورك تايمز- باتجاه شرعنة الدستور الكردي لمنطقة كردستان العراق. وهي خطوة، يؤكد المسؤولون العراقيون والأميركان، أنها (مخيفة) وأنها يمكن أن تشكل تهديداً لوحدة البلد.
ويقول المحلل السياسي إن الدستور الكردي الذي صادق عليه البرلمان قبل أسابيع، وحدّد السنة الحالية موعداً لإجراء الاستفتاء عليه بين سكان منطقة كردستان. ويؤكد هذا الإجراء مستوى من عدم الثقة بين حكومة بغداد المركزية، وبين الحكومة المحلية في كردستان، ويثير في الوقت نفسه تساؤلات بشأن (الحلول السلمية) الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، برغم تدخل ضاغط من قبل الولايات المتحدة.
ويرى (داغر) أن الدستور المفترض، يوسّع المزاعم الكردية بشأن المدن المتنازع عليها، ولاسيما تلك التي تضم في تربتها ثروات كبيرة من الغاز والنفط. لكن هذه المزاعم متنازع عليها في الوقت الحاضر بين الحكومة الفيدرالية في بغداد، والمجموعات الإثنية على الأرض، والتي يُفترض أن تحل عبر محادثات ربما تبدأ بهدوء بين الطرفين في كل من بغداد وأربيل. ومثل هذه المحادثات مدعومة في الوقت الحاضر من قبل الولايات المتحدة. ويفسر المحلل السياسي في النيويورك تايمز تمرير البرلمان الكردي للدستور كـ(رسالة) تشير جزئياً الى مقاومة ضغوط تمارسها الحكومة المركزية، والولايات المتحدة ضد (التطلعات الكردية)!.
ويقول مراسل الصحيفة الأميركية إن المناطق المتنازع عليها في شمال العراق تعيش روتينياً وضعاً أمنياً قلقاً، فهناك مواجهات عدة بين القوى الأمنية الكردية والأخرى التابعة للحكومة الفيدرالية، وكذلك الهجمات المتتابعة التي تهدف إلى إشعال الفتنة الطائفية والإثنية، مستغلة المشاعر المتأججة لدى الأطراف المتنازعة.
وكان (جوزيف بايدن) نائب الرئيس الأميركي قد كشف في أعقاب زيارته إلى بغداد أن إدارة (أوباما) راغبة في مناقشة القيادات الكردية بشأن الدستور الذي تحاول تمريره، وبسبب سوء الأحوال الجوية، اتصل (بايدن) هاتفياً بالزعماء الأكراد، ثم أوكل مهمة استكمال المناقشات الى السفير الأميركي الذي اجتمع معهم، وتقرر في ضوء ذلك إعلان استعداد الأكراد للحوار مع الحكومة المركزية.
وتؤكد النيويورك تايمز أن مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أوضحوا أن المواجهة مع الأكراد، بدت تهديداً لمصير العراق، يمكن أن تستفيد منه قوى التمرّد والمجموعات المرتبطة بها. ومن جهة أخرى فإن السياسيين المقربين من الحكومة العراقية يجدون أنها تعد توجهات الدستور الكردي بأنها تطلع نحو (الانفصال) عن العراق.
ونقلت الصحيفة عن (أسامة النجيفي) العضو العربي السُنّي في البرلمان العراقي قوله: ((إن هذا الدستور يضع الأساس لدولة انفصالية)). وأضاف قوله: ((إنها عملية تنطوي على نية عدوانية تهدف إلى إشعال المواجهة. وبالطبع فإنها تقود الى التصعيد)).
المسؤولون الأكراد من جانبهم يدافعون عن الدستور الكردي باعتباره يحمي المحافظات الكردية الثلاث، ومحافظة كركوك الثرية بالنفط والمناطق الأخرى المتنازع عليها في كل من ديالى ونينوى. وكانت الحكومة الفيدرالية في بغداد قد أكدت حق الأكراد في إحالة دستورهم الى مرجعية القضاء العراقي.
وبهذا الصدد تقول (سوزان شهاب) عضو البرلمان الكردي إنها لم تعد تؤمن أن حقوق الأكراد محترمة أو محمية بموجب الدستور العراقي لسنة 2005. وتضيف قولها: ((ما هو مفقود في العراق الآن، هو الثقة بين الأطراف السياسية)). وترى النيويورك تايمز أن المتوقع جداً أن تتم المصادقة على الدستور الكردي. ولكن التساؤلات داخل كردستان تشير إلى أن الدستور يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الإقليم، ووصفت تلك الصلاحيات أبنها (استثنائية جداً) من دون وجود موازنات حقيقية أو هيئات رقابة ذات أهمية تحدد مسارات رئيس الإقليم. وكانت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في السليمانية قد بدأت حملة ضد الدستور الكردي. ويقول (نامو شريف) أحد الناشطين في هذا المجال، أوضح أن الحكومة الكردية وصفته –كنتيجة لحملته- بـ(الخائن)..ومثل هذه البروبغندا تشكل جزءاً من عملية الإرهاب الفكري الذي تمارسه القيادات السياسية الكردية ضد معارضيها.
ويؤكد (كيوستان محمد) عضو البرلمان الكردي الذي التحق مؤخراً بحملة ضد (الحكم المطلق) للحزبين الكرديين اللذين يحاولان بكل السبل احتكار السلطة الإقليمية أن كردستان بحاجة الى دستور خاص، لكنه يجب أن يكون خالياً من نوايا بذور نزاع دائم مع الحكومة المركزية، ثم أنه دستور يحاول أن يعطي صلاحيات (حاكم مطلق) لكردستان. إنه ((دستور يقلب حتى صلاحيات البرلمان والأشخاص الآخرين في السلطة الى خدمة دكتاتورية رئيس الإقليم)) بحسب وصف الصحيفة الأميركية مستندة الى تعليقات (كيوستان محمد)!.
من جانب آخر يرى (غاريث ستانسفيلد) خبير السياسات الكردية، وزميل (Chatham House) في لندن المنظمة غير الحكومية التي تركز على القضايا الدولية أن إصرار الأكراد على دستور منفصل لم يكن (رسالة متكافئة) مع رغبات الحكومة المركزية بشأن الادعاءات الكردية خاصة بالتركيز الكردي على الحضور الأميركي في العراق. وقال: ((إن الأكراد بذلك يتحولون الى قوة مخيفة)).
الملف برس
أقرأ ايضاً
- مع تصاعد التوترات.. البرلمان يعقد "جلسة طارئة" لمناقشة التهديدات الإسرائيلية
- تركيا منفتحة على المبادرة العراقية للوساطة مع سوريا وتدعو لاجتماع ثلاثي
- الحكومة العراقية تبدأ إجراءات لمنع “تهريب” النفط من كردستان