حجم النص
بقلم:نزار حيدر أتابع عن كثب ما يكتبه العراقيون عن النتائج، ولشد ما اثار انتباهي، حديث البعض عمّا يسمونه بالفائز الأكبر، وانه يمثل إرادة كل العراقيين، فحصروا به، دون سواه، الحق الدستوري في تقديم المرشح لرئاسة مجلس الوزراء. فمرّت بخاطري الملاحظات التالية، لمعرفة مدى صحة مثل هذه التحليلات؟ وما إذا كان الحق الدستوري منحصرا، بالفعل، في فائز واحد؟. اولا: برايي، فان هناك فائز واحد فقط في هذه الانتخابات، الا وهو الناخب، فهو الوحيد، من بين الجميع، الذي حصد النسبة المئوية المطلوبة للفوز باللقب وهي نسبة (٦٢٪) ففي كل دول العالم تطلق صفة الفوز على من يتخطى نسبة (٥٠+١) وهي النسبة التي لم تقترب من خيالها اي من القوائم التي حصدت مقاعد في الانتخابات. هذا، على الرغم من ان الذين تنافسوا هم كتل وجماعات وليست احزاب وحركات، والا فان حساب مقاعد كل حزب او حركة لوحدها يشكل صدمة حقيقية لانها أعداد متواضعة جدا. ان كل كتلة تتشكل من مجموعة من المكونات، قلّت او كثُرت، وهي اعتمدت معايير (الدين والمذهب والإثنية) للتكتّل مع بعضها ولم تعتمد المواطنة ابدا، ولذلك نراها تعود اليوم لتجمع أشلاءها تحت قبة البرلمان لتشكل الكتل البرلمانية الثلاثة الكبيرة وهي (الشيعية والسنية والكردية). ثانيا: تعالوا، وبهدوء، نطبّق هذه القاعدة على من يسميها البعض بالفائز الأكبر، لنعرف مدى دقة هذه التسمية، وما اذا كانت تنطبق عليها المواصفات الدولية فيما يخص الديمقراطيات في العالم ام لا؟. الف: ان نسبة المقاعد التي حصدتها لا تتجاوز (٢٨٪) فقط من مجموع عدد مقاعد البرلمان. باء: حصدت نسبة لا تتجاوز (٢٦٪) فقط من المجموع الكلي لعدد المصوتين. جيم: حصدت الأغلبية في (٣) محافظات فقط من مجموع (١٨) محافظة. دال: حصد زعيمها على نسبة لم تتجاوز (٢٦٪) فقط من مجموع عدد المصوتين في بغداد. هاء: لم تحصل القائمة على اي مقعد في (٦) دوائر انتخابية (محافظة) اي ما نسبته (٣٣٪). واو: نسبة مجموع ما حصدته القائمة من مقاعد للمكون الذي تمثله، الشيعي، أقل من (٢٨٪). اذا اخذنا بنظر الاعتبار كل هذه الأرقام والنسب، فهل يصح ان نصفها بالفائز الأكبر؟ بالتأكيد لا يصح ذلك، فهي لم تحصد اية أغلبية وعلى مختلف الأصعدة. هذا على صعيد النسب والأرقام، اما بالمقارنة مع بقية القوائم فسأبيّنه في الحلقة القادمة باذن الله تعالى. وإذا اخذنا بنظر الاعتبار تفسير المحكمة الاتحادية لعبارة (الكتلة النيابية الاكثر عددا) الواردة في المادة (٧٦) من الدستور، فستكون هذه الكتلة وغيرها متساويتان في الحقوق والواجبات ما لم تنجح في تشكيل الكتلة النيابية الأكبر تحت قبة البرلمان حصرا، اما الأرقام وعدد المقاعد التي أعلنتها المفوضية فليس لها اي اعتبار دستوري او قانوني بهذا الصدد، لانها لا تعبر عن الحق الدستوري الوارد في المادة (٧٦) ابدا. من جانب اخر، هل يصح ان نقول انها تمثل إرادة الشعب العراقي في التصدي لإدارة البلاد وتشكيل مؤسسات الدّولة؟ بالتأكيد لا يصح ذلك، لان من يحصد نسبة (٢٨٪) من ارادات الناخب لا يحق له الادعاء بانه يمثل إرادة العراقيين، بقضهم وقضيتهم ابدا، لانها نسبة قليلة جدا لا تستوعب الحق الدستوري الوارد ذكره باي شكل من الأشكال. علينا، اذن، ان نتعامل، لحد الان، مع الأرقام بتجرد، فننظر الى كل الكتل التي افرزها صندوق الاقتراع بعين واحدة، لحين نجاح احداها بتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا تحت قبة البرلمان، لتكون صاحبة الحق الدستوري في التمثيل الحقيقي لإرادة الشارع العراقي، والا، فان اي من الكتل الحالية لا تمثل الا ناخبيها حصرا، فليس من بينها جميعا من تمثل إرادة الشارع ابدا، فما دخل كتلة لم تحصد اي مقعد في (٦) محافظات بإرادة أهلها؟. تأسيسا على المعطيات اعلاه، اود تثبيت الحقائق التالية: ١/ الإرادة الوطنية لا تمثلها اية قائمة من القوائم الفائزة منفردة. حتى إرادة المكونات لا تمثلها اية قائمة منفردة. ٢/ لقد اثبتت كل القوائم، وكذلك الزعماء، انه ليس بينهم حتى واحد يمثل العراقيين بكل مكوناتهم، ولذلك لم تجرؤ اية قائمة او زعيم على النزول في كل الدوائر الانتخابية الثمانية عشر، المحافظات، فكل قائمة حصدت من مكونها ولم تتجاوز لأي مكون آخر. حتى (العراقية) التي حصدت بعض المقاعد خارج دائرتها في المرة السابقة، خسرتها كلها في هذه المرة. ٣/ لقد اثبت كل الزعماء والقادة، انهم ليسوا رجال دولة بالمعنى الحقيقي، ولذلك لم يحصل ايّ منهم على الإجماع الوطني، إنما هم رجال طوائف ومكوّنات، كلّ بنسبة معينة، وليس بالمطلق. ٤/ اكبر الفائزين إنما هو في مكونه فقط وليس على صعيد العراق، فليس بينهم من يمثل الإرادة الوطنية بأي حال من الأحوال، والتي تشظت طرائق قددا، ولهذا بدأنا نشهد العودة بالبلاد الى المربع الاول في مفاوضات تشكيل الحكومة.
أقرأ ايضاً
- مؤتمرات القمم العربية .. الجدوى والنتائج
- الإصلاح الإقتصادي بين النتائج والأسباب.. رسالة الى وزير المالية
- قراءات وخفايا من حوار تلفزيوني