- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصحافة الاستقصائية ودورها في مواجهة الارهاب
حجم النص
بقلم :فراس الياسي
أفرزت السنوات الأخيرة حالات خطيرة لظاهرة الفساد بأشكاله المختلفة، وظاهرة الإرهاب الذي اخذ يضرب هنا وهناك بشتى المبررات، تارة يرفع شعار الايمان او التوحيد لقتل من يصفهم بالكفار او المشركين، وتارة يقتل باسم الطائفية شيعة العراق وعلويي سوريا وأقباط مصر وحوثيي اليمن وتارة يرفع شعار الخلافة الإسلامية ليبرر قتل شرطة تونس او ليبيا او مصر وغيرها من الشعارات التي لا يمكن ان تمنح الجريمة اسم آخر وان بُذِلت من اجل ذلك شتى المحاولات.
وما يعنينا في هذه الدراسة من الظاهرتين الفساد والارهاب هي الظاهرة الثانية، لما لها من اثر سلبي جلي على امن وحياة الافراد والمجتمعات في العراق والعالم العربي والعالم باسره، وهو امر يستدعي من الصحافة أن تقوم بمهامها في كشف هذه الظاهرة وإبراز معالمها وتوضيح صورتها للمجتمع، فمن واجبات الاعلام ان يكون ظهيرا للمجتمع يرعاه ويحميه ويمنحه العين التي تبصر والاذن التي تسمع، ويصنع له رأيا صائبا بعيدا عن اللبس والغموض، وقد اثبتت التجارب ان ذلك لا يمكن أن يحققه إلا الإعلام الموضوعي، الاعلام الذي يتبنى الصدق ويتحرى الحقيقة أينما كانت وكيفما كانت، وان الاعلام الاستقصائي هو خير ممثل للاعلام الموضوعي الهادف.
ما هي الصحافة الاستقصائية؟
تعددت وجهات النظر في الصحافة الاستقصائية وتعددت ايضا التعاريف الخاصة بها فقد عرفها "ديفيد نايل "رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين أنها "مجرد سلوك منهجي ومؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصا على الموضوعيـة والدقة والتأكد من صحة الخبر وما يخفيه انطلاقا من مبدأ الشفافية ومحاربـة الفساد، والتزاما بدور الصحافة كحارس ومراقب على السلوك الحكومي، وكوسيلة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم خدمة للمصلحة العامة، ووفقا لمبادئ قوانين حـق الاطلاع وحرية المعلومات" (1).
في حين تعرفها شبكة نيريج العراقية المتخصصة بالصحافة الاستقصائية بانها " الصحافة القائمة على كشف الخلل في النظام، أو السياسات والممارسات الخاطئة التي تريد جهة ما، أو اشخاص ما، اخفاؤها او اخفاء دورهم فيها. وتعتمد عملية الكشف على البحث المعمق في القضايا ذات الأهمية الكبرى وتوثيق حقائق يحصل عليها الصحفي بجهده الشخصي، بهدف تصحيح الأخطاء وإحداث تغيير لصالح المنفعة العامة، وتعريض المسئولين للمحاسبة والمساءلة"(2).
كما عرف (الدكتور نبيل شرف) التحقيق الاستقصائي بانه " جهد اعلامي مقصود، بالكلمة أو الصورة، أو كليهما معا، يتوخى الكشف عن واقعة أو نشاط غير قانوني ثمة مصلحة لجهة ما في محاولة طمسه أو إخفائه" (3).
وإجمالا يمكن القول بانها "صحافة تؤدي وظيفة الرقابة على الانشطة المختلفة، تتميز بالتعمق في تقصي الحقائق لعرضها بشكل موثق ومتكامل، بهدف كشف ممارسات لا يرتضيها القانون أو العرف، لتحقيق المصالح العليا للمجتمع (4) ".
الصحافة الاستقصائية والسلطة:
من اجل ان يكون الصحفي شريكا فاعلا في مكافحة الجريمة والإرهاب ويقوم بدوره في عملية القصاص فلا بد ان يمنح مساحة من الحرية المسئولة تجاه الآخرين، ولا نعني بهذه الحرية الانفلات وإلغاء الرقابة، وانما يجب ان تكون هذه الرقابة عملية توجيه أي أن يكون دورها كدور الحكم في كرة القدم، ولطالما أثبتت الصحافة فاعليتها في مكافحة الجريمة والارهاب والأمثلة كثيرة.
واذا أرادت الحكومة العراقية ورجال الدولة بناء دولة مدنية متطورة ينعم شعبها بالخير ويرفل بالأمن، فمن واجبها ان تغادر أي فكرة من شأنها ان تحد من حرية الصحافة لان الصحافة من ادوات بناء الدولة ويجدر بنا ان نذكر في هذا الشأن ما قاله الرئيس الامريكي " توماس جيفرسون " في عام 1787م اذ قال " لو انني خيرت بين ان تكون لدينا حكومة بدون صحف، أو صحف بدون حكومة، لما ترددت في تفضيل الخيار الاخير"
فلا ينبغي ان يحكم العلاقة بين الصحافة والسلطة في العراق الجديد صراع دائم بين طرفين تحاول فيه السلطة ترويض الصحفي و إخضاعه ولي ذراعه، ويحاول فيها الصحفي ان يملي عليها رغباته، ثقافة تغذيها رغبات المسئولين الجامحة في ان يكون الصحفي مسّاحا لأكتافهم ينشر أخبارهم ويبرز صورهم، لاعونا وسندا للبلد ومؤسساته، ثقافة لا تبني دولة ولا تقوم اعوجاج، ولا ترعى مجتمع.
من انجازات الصحافة الاستقصائية في محاربة الجريمة:
في العالم الغربي:
ـ في عام 1976 قامت مجموعة من الصحفيين الامريكيين في اريزونا بتشكيل فريق عمل بقيادة محرر جريدة NEWSDAY الشهير ROBERT GREEN للقيام بحملة صحفية استقصائية ضد العصابات الجريمة المنظمة التي اغتالت الصحفي " BALLSTON " محرر جريدة " ARIZONA REPUBLIC " الذى كان يقوم باستقصاء نشاط الجريمة المنظمة في ولايته " أريزونا " حيث وضعت قنبلة في سيارته وتمكن هذا الفريق من كشف الكثير من العصابات مما اسهم في خفض مستوى الجريمة في اريزونا.
في كولومبيا:
بعد ان أخذت الحكومة الكولومبية بمقترحات منظمات المجتمع المدني في ضرورة إشراك الصحافة في مهمة محاربة الجريمة والفساد وضرورة حماية الصحفيين لأداء دورهم على أتم وجه شكلت لجنة باسم "لجنة تقييم المخاطر " تتولى دراسة طلبات حماية الصحفيين المعرضين للخطر، وتقرر ما ينبغي اتخاذه من تدابير وقائية لأجلهم، ولقيت هذه التجربة نجاحا في عملية محاربة الجريمة والفساد والحد منها، كما نالت التجربة ثناء من منظمة الامم المتحدة التي دعت بدورها بقية الحكومات لتكرار هذه التجربة.
في العالم العربي:
قدمت بعض المؤسسات الإعلامية العربية أعمالا صحفية كان لها اثر في كشف بعض مظاهر الإرهاب منها قناة العربية ذات الإمكانات المادية الكبيرة والتي تعيش حالة تنافس مع قناة الجزيرة القطرية.
ومن البرامج الاستقصائية التي أنتجتها قناة العربية برنامج "مهمة خاصة " في 2004م وبرنامج "صناعة الموت" الذي بدأ في عام 2006 الذي يعده الصحفي المصري علي بريشة وتقدمه المذيعة اللبنانية ريما صالحة وهو برنامج يعنى بشؤون الارهاب وقد تناول البرنامج مواضيع الإرهاب والتنظيمات والحركات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة.
ومن ابرز الحلقات التي قدمها البرنامج "السلفية الجهادية في الاردن والقاعدة في اليمن وجريمة تولوز وقادة القاعدة في العراق ".
في العراق:
في العراق لاحظنا ان الصحافة قادرة على تحريك الراي العام وتحويله وتغيير أولوياته من خلال ما بثته الفضائيات العراقية عن حادثة استشهاد الجنود الخمسة قرب ساحة الاعتصامات في الرمادي، الحادثة التي اثبتت ان الصحافة تستطيع ان تكشف الوجه القبيح للمجرمين وتعريتهم الى درجة قلب الرأي من حال الى حال.
وعلى الرغم من هذه القوة التي يمتلكا الاعلام العراقي الا انه لم يؤد دوره المطلوب في هذه المهمة (محاربة الارهاب) والاغلب يعرف ان عمليات القتل لرجال الجيش والشرطة امر قد يكون عمل يومي واحيانا تحدث جرائم اكبر وابشع من هذه الجريمة الا ان الاعلام لم يغطها كما تستحق بل غالبا ما يسطحها من خلا عملية النقل المشوهة والمتسرعة.
ولذلك فهي دعوة لأصحاب القرار الى تأسيس مؤسسات صحفية مهنية غير مؤدلجة تعمل على نشر هذا النوع من العمل الصحفي كونه يمثل قمة المهارة الصحفية ومنتهى الحرفية وهي صحافة تحترف التنقيب في قضايا الفساد والارهاب.
وان تعمل تلك المؤسسات على استقدام طاقات صحفية عراقية وعربية واجنبية وتوجههم وتدعمهم لكتابة موضوعات تكشف الممارسات الفاسدة لزمر الارهاب في العراق وتكشف امتداداتهم الإقليمية وعندها سنجد ان الكثير من الصحفيين قادرين على ذلك، وان الشعب سيقف مع رجالات الدولة بالضد من الإرهابيين لان الجريمة جريمة يرفضها كل إنسان سوي ويرفض من يضع لها المبررات.
...................................................
1. عيسى عبد الباقي، محاضرات في الصحافة الاستقصائية،المحاضرة الأولى، كلية الآداب،جامعة قنا، استرجعت من موقع شبكة الصحفي العربي بتاريخ 12/2/2011 من موقع الصحفي العربي ذي الرابط
http://www.alsahfe.com/News-428.htm
2 محمد الربيعي، المشرف العام على شبكة نيريج، مقابلة شخصية عبر الانترنت اجرها الباحث بتاريخ 14/4/2012م
3 ـ نبيل شرف، نوال الشريف،التحري الصحفي،مصدر سبق ذكره، ص 89.
4 ـ فراس حسين الياسي، الصحافة الاستقصائية في العراق، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد، كلية الاعلام /2013م، ص37.