- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الى الشاعر والاديب علي الخليلي مع خالص الحب ..!
حجم النص
بقلم :شاكر فريد حسن
كيف يكون شعور المرء حين يعلم بمرض صديق عزيز عليه ، او انساناً التقاه وعرفه عن قرب ، خاصة اذا كان هذا الانسان مبدعاً ومثقفاً طليعياً عليلاً بمرض العصر الفتاك ، الذي ينهك وينخر الجسد ..؟!
هذا الشعور انتابني حين علمت ان الصديق القديم، الشاعر الفلسطيني الكبير علي الخليلي، يعاني الالام والاوجاع المبرحة منذ اشهر نتيجة اصابته بمرض السرطان ، الذي عصف به عصفاً وتوغل في عمق عموده الفقري فشلّ حركته واقعده في البيت. لقد تألمت وحزنت وبكيت كثيراً لما لهذا الانسان الطيب والدمث من افضال وايد بيضاء على جيل فلسطيني واسع وعريض من محبي الادب وعشاق الكلمة .
فعلي الخليلي الاديب الالمعي ، والقامة الشعرية السامقة ، والمبدع الحداثي المتجدد، هو احد الآباء المؤسسين للمشهد الشعري الفلسطيني المقاوم تحت حراب الاحتلال في المناطق الفلسطينية عام 1967. انه سادن الثقافة الوطنية الفلسطينية الملتزمة ، وحارس الحلم الفلسطيني الابدي، وراعي الاقلام والمواهب الادبية . عرفناه انساناً هادئاً متزناً واعياً وعقلانياً ، عزيز النفس، نقي المشاعر ، راقي الفكر، معلماً مميزاً ، ومنارة ادبية متوقدة الشعلة ، لم تشغله هموم المناصب والمواقع ، ولم يبحث يوماً عن منصة او مال او جاه بل اكتفى بالقليل ، بوظيفة تسد الرمق وتوفر الرغيف وكفاف العيش البسيط . انصب عمله ونشاطه في رعاية الغرسات والافنان الادبية الفلسطينية، وترسيخ الوعي الثقافي والفكر الديمقراطي ، ونقد الواقع الاجتماعي والسياسي والادبي والثقافي ، ساعياً ومؤمنا بالتغيير عبر الانحياز للجماهير المسحوقة المطحونة . وكان يرى في الثقافي اداة التغيير الحقيقة ، ولذلك انتمى لللثقافة الوطنية الشعبية الديمقراطية وللحقيقة والنسق الكتابي الابداعي الملتصق بقضايا وهموم الناس والشعب والوطن والمجتمع والمستقبل ، الملتحم بحركة التاريخ وصيرورته، مكرساً كل مواهبه وطاقاته الابداعية وجهده للادب الجاد الهادف وللشعر الوطني الانساني وخدمة الحركة الادبية والثقافية والقضية الوطنية التحررية ، وتميزت حياته بالعطاء الثر والبذل الوفير.
وان نسينا يوماً فلم ولن ننسى نحن ابناء الجيل الادبي الفلسطيني ،الذي ظهر ونشأ وترعرع في سبعينات القرن الماضي وتربى ادبياً على يدي علي الخليلي ، جيل عبد الناصر صالح وعادل الاسطة ومحمد حلمي الريشة وعبد الحكيم سمارة وابراهيم عمار واسامة العيسة وباسم النبريص وصقر ابو عيدة ومحمد كمال جبر وسامي الكيلاني واحمد رفيق عوض ووليد الهلسة وفداء احمد وعدوان علي الصالح ومصطفى مراد وغيرهم الكثير . لن ننسى ايام القحط الثقافي وقلة المنابر الادبية عندما كان علي الخليلي على ظهور خيلها في عز الشبوبية ،يوصل الليل بالنهار في مزاولة عمله محرراً لمجلة "الفجر الادبي" ، التي استقطبت واحتضنت كل المواهب والاقلام الادبية الصاعدة ، فكان يتلقف بشغف كل مادة ادبية تصل الى يديه فيقرأها بتمعن ودقة ويجري عليها التعديلات الضرورية ، اذا كانت بحاجة لذلك، لتصبح صالحة للنشر فيدفع بها للطباعة . وهكذا رعى جيل كامل من الشعراء والمبدعين ، الذين اصبحوا اسماء لامعة ورموزاً مضيئة في سماء الادب وفضاء الابداع الشعري والقصصي والروائي الفلسطيني.
وايضاً لن تنسى "نابلس" عاصمة جبل النار ، بناسها وازقتها وحاراتها واسواقها وشوارعها وارصفتها وساحاتها وميادينها ، علي الخليلي صاحب الشنب العريض، والقامة المنتصبة ، الذي كان يصول ويجول فيها حاملاً مصباح "ديوجين" ليشعل نور المعرفة ويبث الوعي وينشر الكلمة والثقافة الوطنية ويذوت القيم الديمقراطية ، التي يؤمن بها .
علي الخليلي اديب متميز في مختلف اجناس والوان الكتابة الابداعية من شعر ورواية ونقد ومقال سياسي وادبي ودراسات تراثية ، ومنجزه الثقافي يتلخص في الدفاع عن القيم المبنية على التعددية الفكرية والثقافية ، وقيم المحبة والجمال والتسامح والتكافل الانساني. وحين نقرأ نصوصه وقصائده الشعرية ، التي خطها يراعه وفاضت به قريحته والهامه ووحيه الشاعري ،عن الوطن وجراحاته وعذاباته اليومية ، وعن هموم شعبه وواقع المشردين في مخيمات الصمود والشقاء والبؤس ، نجدها تشتعل حباً وحنيناً ووهجاً وتوقداً وتفاؤلاً وانتماءاً حقيقياً لجياع وفقراء الارض والدنيا، وصناع الحياة والمستقبل مبشرة بالنهار الآتي حتماً بعد ليل الاحتلال الجاثم على صدر شعبنا .
فيا ايها الصديق القديم علي الخليلي، انك تستحق الوفاء ، لانك رمز للانسان النبيل الطيب ، ومثال للاصالة والشهامة والاستقامة والابداع الاصيل الحقيقي غير الملوث وغير المزيف ، وتستحق التكريم والتقدير اللائق بك . واذا كنت اليوم ترقد على سرير المرض الوحشي اللعين ، كصديقك الشاعر سميح القاسم ،فأنت قادر على تحديه عسى ان تقهره بالتفاؤل الثوري ، الذي عودتنا عليه ، ومواصلة الكتابة والابداع . فلن نتركك وحيداً كحصان محمود درويش ، ولن تغيب ابداً عن قرائك واصدقائك ومحبيك ومجايليك ، فهم بانتظار الغزارة الادبية التي عرفت بها . ولك مني التحيات والتمنيات والصلوات من اجل الشفاء مع خالص الحب وايات العرفان والوفاء.