- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في مهرجان (ربيع الشهادة) الثقافي العالمي الثامن:هدف واحد برسائل متعددة
حجم النص
لقد حمل مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الثامن (انعقد في مدينة كربلاء المقدسة بالعراق في الفترة من 3 ـ 7 شعبان، المصادف 24 ـ 28 حزيران المنصرم لمناسبة ذكرى ولادة سبط رسول الله (ص) الامام الحسين بن علي عليهما السلام، وبرعاية الامانتين العامتين للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية) اكثر من رسالة تمحورت حول صاحب الذكرى ونهضته المباركة وشهادته العظيمة في عاشوراء عام 61 للهجرة في كربلاء.
ولعل من اهم وابرز الرسائل التي حملها المهرجان هي:
اولا: ان الحسين السبط عليه السلام حاضر ومستقبل، وليس تاريخ مضى وانتهى، وان من يتعامل مع الامام كماض فحسب، لا يعرف كيف يوظف نتائج شهادته من اجل حاضر جديد ومستقبل افضل، فهو في افضل الحالات يظل يندب الحسين عليه السلام من دون ان تترك الذكرى اي اثر على حاضره ومستقبله، فهو يقرا الحسين عليه السلام كما لو انه يقرا قصة او تراجيديا تاريخية بلا روح وبلا جوهر، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع بان حركة الامام وجهاده وتضحيته كانت للمستقبل، اي للاجيال وعلى مر التاريخ، فكيف يجوز لنا ان نتعامل معها كتاريخ او ماض فحسب؟ الا يعني ذلك اننا نقتل الحركة واهدافها وندفنها خلفنا؟.
اما الذي يفهم الحسين السبط عليه السلام كحاضر ومستقبل، فهو الذي تترك الذكرى في نفسه وعقله وتفكيره الكثير من القيم الانسانية التي لو وظفها الانسان ـ الفرد والانسان ـ المجتمع فستساعده على تغيير واقعه الاليم وترسم له معالم مستقبل افضل، فعندما نمتلك الحسين عليه السلام لا يجوز ابدا ان يحكمنا طاغية كصدام حسين، اليس كذلك؟.
ولشد ما استوقفتني عبارة قالها احد ضيوف المهرجان من القارة السمراء عندما قال في كلمة القاها: اننا في افريقيا من اشد الناس وعيا بحركة الامام الحسين عليه السلام لما تمثل بالنسبة لنا من تمرد وجهاد على الظلم والقهر الذي نعيشه، طلبا لنيل الحرية والحياة الكريمة.
انه لخص فكرة توظيف الماضي من اجل حياة افضل ومستقبل منشود.
ثانيا: ان الحسين السبط عليه السلام للناس كافة، فلكونه عدل القرآن الكريم وهو احد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله (ص) في امته وهو لا يفترق عن الثقل الاخر (القرآن الكريم) حتى يردا على رسول الله (ص) الحوض يوم القيامة كما في نصوص السنة المتواترة، فهو للناس كافة، وان تضحيته للناس كافة، كما القرآن الكريم الذي هو هدى ونورا للناس كافة، ولذلك فهو عليه السلام في الامة كالقرآن الكريم فيها، او لم يصف رسول الله (ص) اهل البيت عليهم السلام بانهم القرآن الناطق؟ وانهم مع الحق والحق معهم ولن يفترقا ابدا؟.
ولقد تجلى هذا المفهوم الرسالي بالقيم الانسانية العظيمة التي ضحى من اجلها الحسين السبط عليه السلام، فقيم مثل الحرية واحترام الارادة والكرامة والمساواة ورفض الظلم والقهر والكبت والجبروت، ينشدها كل انسان على وجه الارض، وفي كل زمان ومكان، بغض النظر عن دينه او مذهبه او اثنيته او لونه وما اشبه، ولذلك فان الحركات والتيارات الهدامة التي سعت، وعلى مر التاريخ، الى محاصرة الحسين السبط وكربلاء وعاشوراء في بوتقات ضيقة كالمذهب او الدين فشلت فشلا ذريعا لانها سعت الى ان تحصر الشمس في علبة صغيرة لتحجب اشعتها عن الناس من ان يستضيئوا بنورها، فهل يعقل ذلك؟ وهل سينجح من يحاول تحقيق ذلك؟ بالتاكيد كلا لان الحسين عليه السلام وقيمه ومبادئه لا يمكن ان تؤطرها هوية او يحدها عنوان ابدا.
لقد كتب كثيرون عن الحسين السبط عليه السلام، ومن مختلف الملل والنحل، وعلى مر التاريخ، وكلهم شهدوا على هذه الحقيقة رغم انف الحاقدين.
ثالثا: انه عليه السلام عبرة، بفتح العين، وعبرة، بكسرها،عاطفة وعقل، مشاعر ومنطق، تراجيديا وموقف، فلا ينبغي ان نضخم جانبا ونترك الجانب الاخر، فان ذلك يفرغ نهضته من اي معنى حقيقي.
ان الحسين السبط عليه السلام لم يضح بالغالي والنفيس لنبكي عليه فقط او نلطم عليه الخدود فحسب او نستذكره كتراجيديا عظيمة مجردة عن القيم والمبادئ والمنطق والنهج الذي وظفه عليه السلام لتحقيق هدف اكبر واسمى من كل ما ضحى في سبيله الا وهو الانسان الذي خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الارض فاحسن خلقه وكرمه على سائر من خلق، فكيف يمكننا ان نفهم الحسين السبط عليه السلام وكربلاء وعاشوراء اذا قراناها بعواطفنا ومشاعرنا مجردة عن عقولنا وتفكيرنا والمنطق السليم الذي يقودنا الى وعي الذكرى؟.
ان الحسين عليه السلام رسم بدمه الطاهر استراتيجية عظيمة لوعي الذات من اجل تغيير اجتماعي شامل، اصيل وحقيقي، وليس هامشيا او عابرا.
ان كل هذه الرسائل وغيرها لخصها شعار المهرجان (الامام الحسين عليه السلام، وهج الرسالة ونهج العدالة) بشكل رائع، فالحسين بالنسبة للرسالة كالوقود الذي يزيد النار نورا وضياءا، وهو القائل او على لسانه {ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي، فياسيوف خذيني} من جانب، ومن جانب آخر، فان هذا الوقود المتمثل بدم الحسين عليه السلام والذي اريق على ارض كربلاء في عاشوراء ليس عبثا وانما من اجل هدف سامي ونبيل تلخص بنهج العدالة، التي يتساوى في ظلها الانسان بغض النظر عن اي اعتبار من تمييز وباي شكل من الاشكال.
وبرايي، فان المهرجان نجح في حمل هذه الرسائل الحسينية وغيرها من خلال:
الف: نوعية الحضور والمشاركين في المهرجان، والذين مثلوا اكثر من 50 دولة حول العالم بالاضافة الى العراق، وان كنت اتمنى ان يشهد المهرجان في السنوات القادمة، باذن الله تعالى، حضورا نوعيا اكثر، فالنوعية اهم وافضل من الكمية في مثل هذه المهرجانات التي يراد منها ان تحمل رسالة الى الاخر اكثر من حمل الرسالة الى الذات.
باء: نوعية الفعاليات التي تضمنها المهرجان، والتي تقف على راسها البحوث التي قدمها عدد من العلماء والمفكرين، وان كنت اتمنى ان تكون المشاركات لا تقتصر على شريحة واحدة من شرائح المجتمع، الا وهي شريحة علماء الدين، اذ كان من الانسب ان يشارك مفكرون من ديانات شتى وكذلك يمثلون مختلف شرائح المجتمع، خاصة المراة التي غابت عن هذه الفعالية، فلم تلق امراة اي بحث في المهرجان، وهو غياب لا اعتقد ان له مبررا، فالمراة التي كانت حاضرة في عاشوراء الى جانب الحسين السبط عليه السلام يجب ان تكون اليوم حاضرة حيث ذكرى الحسين عليه السلام في ارجاء المعمورة.
اتمنى ان تبادر اللجنة المشرفة، وباسرع وقت ممكن، الى طباعة ونشر هذه البحوث لتكون في متناول يد الدارسين والباحثين والمحققين، لما فيها من ثروة معرفية عن كل ما يخص الحسين السبط عليه السلام ونهضته المباركة.
كما تالق الادب، الشعر تحديدا، في ثنايا المهرجان، من خلال اكثر من امسية شعرية شارك فيها عدد كبير من الشعراء من مختلف دول العالم.
ثالثا: ورش العمل التي عقدتها اللجنة المشرفة على المهرجان، خاصة الورشة المتعلقة بمفردة الاعلام، والتي تشرفت بالمشاركة فيها وعلى مدى يومين حضرها عدد من المتخصصين واهل الخبرة في هذا الباب، والتي خرجت بعدد مهم من التوصيات والمقترحات التي نامل ان يدرسها المعنيون وياخذوا باحسنها من اجل تطوير الاعلام الحسيني، سواء المقروء منه او المسموع او المرئي.
كما نظم المشرفون على المهرجان ندوة نسوية خاصة.
رابعا: معرض الكتاب الذي شهد مشاركة اكثر من 120 دار نشر محلي وعربي، غطت عناوين الكتب مختلف القضايا التي تخص الحسين السبط عليه السلام ونهضته المباركة، الى جانب قضايا الدين الاخرى، وان كنت اتمنى ان يتسع المعرض ليشمل كتب معاصرة وحديثة في مجالات شتى، من اجل ان لا يقتصر المعرض على الكتب الدينية فقط، من دون ان يعني ذلك خلو المعرض من غيرها، كما ان المراة، مرة اخرى، غابت عن المعرض الا اللمم فيما حضر الطفل وخصوصيات تربيته في المعرض من خلال ركنه المتميز.
خامسا: الجولات الميدانية التي شملت مختلف اقسام العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، خاصة المتحف والمخطوطات والتي اطلعت فيهما على عظمة المنجز العلمي والثقافي الذي يبذله القائمين على هذين القسمين، وكلي امل في ان يعرض هذا المنجز بشكل اوسع ليطلع عليه الراي العام العالمي، فلقد احتظن القسمان ما لا يخطر على بال احد.
ومن اجل توسعة نطاق المهرجان ليشمل العالم باتجاهاته الاربعة، اقترحت اقامة اسابيع ثقافية حسينية في مختلف دول العالم، ليطلع العالم عن كثب على الحقائق المغيبة لنهضة الحسين السبط عليه السلام.
واذا كانت المتاحف تحكي عادة عن العمق التاريخي للشئ فان متاحف العتبتين تحكي، بالاضافة الى ذلك، عن مكانة القضية الحسينية في قلوب الناس، وهو الامر الذي ارخه المتحفين بالاضافة الى قسم المخطوطات الذي يشرف عليه نخبة من الفنيين المتخصصين والباحثين المتميزين.
ولقد كانت لي زيارات اضافية متكررة في قسم الاعلام في العتبتين المقدستين، فرايت ان هناك جنودا مجهولين يواصلون الليل بالنهار ويبذلون كل جهد ممكن من اجل ايصال صوت الحسين عليه السلام الى اسماع العالم وباكثر اللغات العالمية حيوية، بالاضافة الى القناة الفضائية والموقع الالكتروني والاذاعة.
ان كل من شارك في المهرجان لمس مدى الجهد الكبير المبذول من قبل اللجنة المشرفة لتنظيمه على احسن ما يرام، ان على صعيد الاستقبال او الضيافة او التفاصيل او الاعلام او غير ذلك.
ولا يسعنى هنا الا ان اتقدم بجزيل الشكر والتقدير وكبير الامتنان للامانتين العامتين في العتبتين المقدستين وكذلك للجنة المشرفة على تنظيم المهرجان لاتاحتهم لي هذه الفرصة الثمينة للمشاركة فيه من خلال دعوتهم الكريمة لي لحضور فعاليات المهرجان، سائلا العلي القدير ان يسدد خطى العاملين المخلصين الذين يبذلون كل جهد ممكن من اجل خدمة ونصرة قضية الحسين السبط عليه السلام، وما توفيقنا الا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين.
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- كربلاء وغزَّة في سؤالٍ واحد
- فلسطين والجامعات العالمية والصدام الكبير