- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشرطة تستجوب شهداءها .. ألا هل من مجيب ؟
من أسوأ وأمر ما يفرضه علينا الواقع المرير الذي نعيشه أن نستذكر الماضي المقيت ونستشهد بمواقف أو حوادث معينة واجهتنا في ذلك الزمن المر .. إنما أحيانا يضطرنا الأمر لأن نعمد إلى ذلك ..
قبل أن أطرح ما لدي من رأي أو اسرد حدثا معينا أود أن أبين أو لعلي أصر في إشارتي بأن ما نواجهه في هذا الزمن من صعوبات أحيانا لا يبرر لنا أن نجعل ذلك عذرا أو حجة يتعكز عليه البعض عند إظهار تنهداته وحسراته لا سمح الله وتباكيه على ذلك الماضي مثلما لا يبيح لنا أن نوجد أي وجه مقارنة بين الحقبتين المنصرمة والحالية . فإن ما يصدر اليوم من أخطاء شخصية هنا وهناك من قبل البعض ليست نتيجة تشريع قوانين جائرة مجحفة بحق الناس أو أوامر سلطوية تعسفية إنما هي تصرفات غير مسؤولة من بعض الأفراد..
وما أكد لي ذلك ما لمسته لدى مراجعتي إحدى دوائر الشرطة لترويج معاملة صهري الشهيد الذي اغتالته أيدي الغدر والخيانة من أعداء الوطن والدين والإنسانية والقانون و.و .و.و و.. من هذه المصطلحات ومن قبل الذين نسمع بهم كثيرا ولا ندري بالحقيقة من هم . ولم نسمع ولا نشاهد يوما أي خبر صريح صحيح صادق يكشف لنا عن مرتكبي مثل هذه الجرائم أو مشاهدة أية محاكمة علنية لأي منهم ..
لعل الأمر الذي لفت نظري هو ليس غريبا على الآخرين إنما يحتاج الذكر والتذكير .
كل ما نعرفه في السابق عن الشرطة أو دوائرها لا يتعدى مراكز الشرطة الموزعة في بعض المناطق وليس جميعها والمديرية العامة أو مديرية النجدة ..وتلك اللوحات التي كانت يكتب عليها شعار ( الشرطة في خدمة الشعب ) تلك اللوحات التي رفعت تماما . من خلال ذلك تم التعرف على الشرطة وحين يضطر أحد للمراجعة فلا يجد أكثر من هذه العناوين وإما الفرعية فلا حاجة لنا بها . إذ أن المواطن البسيط لا تعنية معرفة الملحقات لأنه ليس بحاجة لها . لكن ما يستحق التوقف عنده والتساؤل هو التفرعات والتشعبات والإنشطارات التي حدثت في الدوائر في هذا العصر .
إن الإنشطارات والتشعبات وازدياد عدد الدوائر لابد أنه يعني بأن عدد الموظفين فاق بكثير عدد ما كان في السابق وهذا ما يبعث السرور في النفس إذ يوحي ذلك بأن التسهيلات سوف تزداد في تمشية المعاملات. ويخفف الأعباء عن المواطن .وهذا ما يتمناه الجميع .
ولكن ثمة ما يدعو لخيبة الأمل .إذ سرعان ما يفاجأ الزائر لبعض تلك الدوائر ولا أقول جميعها بحقيقة تعكس له صورة تختلف في واقعها عن ذلك التصور تماما إذ أن بتضاعف العدد زاد الروتين وأضيفت فقرات أخرى ألا وهي عدم دخول المراجع إلى بعض البنايات أو الغرف وإنجاز معاملته بنفسه وبحماس منقطع النظير . ويبدو أن منع المراجع أحيانا من الدخول ليس خوفا على المسؤول أو المدير إنما خوفه على المواطن من يفجر نفسه من القهر أو الملل ونخسره بالنتيجة وهذا ما لا نطمح إليه .
لذا يفضل أن يقف تحت أشعة الشمس يراوح بقدميه يرفع واحدة ويضع أخرى حتى يأتيه اليقين بأن معاملته أنجزت ويحمد الله على ذلك ويخرج وهو يأخذ عهدا على نفسه بأن لا يعود ثانية.
حين يتعهد أحدنا أن يرصد أو يشخص ظاهرة معينة أو أية حالة يتعين عليه أولا : أن يكون دقيقا في التشخيص وأمينا في النقل ومنصفا في التقييم وثانيا : أن يدرك تماما بأن لا يمكن لمكان أو زمان أن يخلو من احتواء النقيضين الإيجابي والسلبي ومن ضمن الأماكن التي لا تخلو من ذلك مديرية شرطة كربلاء .
ولكي يكون الوصف قريبا من الدقة أقول :
فحين يضطرك أمر ما لمراجعة المديرية يتوجب عليك الوقوف عند الباب أمام العارضة وتنتظر قليلا حتى تجد من يستجوبك بالتساؤل الذي أصبح تقليدي ( اشعندك ) لمعرفة سبب ذهابك إلى الدائرة ويتعرف من خلالك على اسم الموظف الذي تنوي مراجعته ولعل عدم إعطائك الأسم الصحيح له يكون حائلا بينك وبين الدخول وبعد أن تشرح قضيتك لمن تتصور بأنك ستجد لديه ضالتك لا ريب أن يكون ليس هو المعني وقد ذهب جهدك في سرد القضية سدى . وعليك أن تنتظر الشخص المعني لتعيد له الإسطوانة حتى وإن كنت يوم أمس قد أسمعته إياها . فإن من حقه أن ينسى طالما أنه معرض للخطأ والسهو . والأخير لا يحتاج لتوسل كثير ليقنع بالسماح لك بالدخول .
ولو حالفك الحظ وجئت أثناء خروج قافلة المدير فلا تخالف أمر الأخ مسؤول العارضة حين يطلب منك أن تختفي وراء أقرب جدار فإن هذا الطلب لم يكن غريبا جدا لعل وجودك يسبب إزعاجا لمن سيمر بالقافلة حتى وإن لم تتعارفا من قبل . وهذا ما حدث وأوشكت أن افزع حين بدأت سيارات مظللة تتحرك وتواصل خروجها من المديرية . وما لفت نظري طلب الشرطي مني أن أكون بعيدا جدا عن الطريق وكلما كنت أحاول أن استظل بظل نقطة الحرس لأحتمي بها من حرارة الشمس كان يطلب مني أن ابتعد عنها ولا أدري هل خوفا على المسؤول الذي يستقل السيارة وجماعته والذين لا يُرى منهم أحدُ وحتى ظل ولا يعرفهم أحد لأنهم يتوارون وراء زجاج مظلل لم نره كثيرا من قبل.
والغريب في دوائر شرطة كربلاء أن يكون أضخم جدار يفصل دائرة مطلوب منك جلب براءة ذمة منها عن أختها المطلوب منك أيضا جلب توقيع مسؤولها فإن بين غرفة وأخرى عليك أن تقطع مسافة تتروض بها على قطع المسافات الطويلة وحين استغربنا من ذلك أذاب استغرابنا أحد المنتسبين بقوله: تلاطشوا المدير السابق والمجلس وسدوا الباب الذي كان يؤدي إليهم .. ويبدو حتى حين يتلاطش المسؤولون على المواطن أن يتحمل نتيجة تلاطشهم .
وحين يحالفك الحظ في دخول بعض الغرف وتبتدئ بتحية الإسلام المعروفة ( السلام عليكم ) فكما في أغلب الدوائر الرسمية منها وغير الرسمية فليس من حقك أن تطالب أحدا برد السلام فإن ذلك واجب كفائي كما يعلم الدارسون في المدارس الدينية فلو أجابك أحدهم فأنت بخير .
وما عليك إلا أن تقف رافعا راسك لا لأنك عراقي فقط بل لكي لا يتصبب عرق جبينك من أثر حرارة الجو ويحرجك أمام الآخرين وخير لك أن تشتري منديلا قطنيا جيدا لتتمسك به أثناء انتظارك وتجفف به ذلك العرق . وحين يتعبك الوقوف لعدم وجود أي كرسي في الغرفة وعدم تكليف أي موظف نفسه في أن يلتفت إليك أو يقول لك أستريح عليك أن توكل الأمر لله وترضى بقسمتك .
وبما أن محطات التواقيع المتفرقة كانت سبعة ( بعين العدو ) فقد حتمت المحطة الأخيرة علي استئجار سيارة للذهاب خارج حدود المدينة من أجل الحصول على آخر براءة ذمة ـ من الشرطة لا من الدنيا ـ وقد استقبلنا أحدهم استقبالا يليق به وليس بنا لم يكن يرضي أحدا لكنه لم يفاجئ أحدا في الوقت نفسه .ولا أدري هل كان مازحا أم مجدا أم معبرا عن غضبه ساعة قدمت له إحدى المواطنات من المراجعين حين بدأ بالإفتتاحية المعهودة ( اشعندچ) أخويه شهيد فدعك الأوراق وأعادها ليدها الممدودة قائلا : أمشي خل يجي هو لو تجيبين هويته !!!! ولم يكترث حين أعادت عليه قولها : خويه هو شهيد . ذلك الشخص هو نفسه طلب مني أن أعدل منطقي حين حاورته وطلبت سرعة إنجاز المعاملة ونحمد الله بأن الشهيد المرحوم حاز آخر براءة ذمة من الدائرة ومن الدنيا نفسها .
وقبل أن أدرج المستمسكات التي تطلب ممن يطلب منه ترويج معاملة تقاعد الشهيد . قبل ذلك أقول : كما ذكرت في فاتحة المقال عن وجود السلب والإيجاب فما لمسته عند البعض من تجاوب وسعة صدر لا يتوانى منصف عن تقديم الشكر لهم فإن الترحيب الذي لم يكلف الموظف شيئا له وقعه في نفس المواطن المسكين وقيام الموظف من مكانه والخروج مع المراجع لتسهيل مهمته دلالة تحتاج للإشارة إليها وهذا ما لمسته من قبل البعض . فشكرا للمعنيين بهذا الأمر
سلمني الموظف المختص ورقة دون فيها المستمسكات المطلوبة لترويج المعاملة :
أولا: المبشرات الأربعة كما يسميها البعض
الجنسية العراقية
شهادة الجنسية
البطاقة التموينية
بطاقة السكن أو تأييد السكن
ثانيا:
دفتر خدمة
ـ كبير أصفر
ـ صغير أبيض . وذلك من مكتبة (...) بالتحديد ... والغريب أن يزود المنتسب العسكري دفتر الخدمة من الخارج
وأمور أخرى لا تخص اعتراضاتنا أو اقتراحاتنا
المعروف لدى العراقيين أن الشخص حين يتوفى تسحب منه الجنسية ( هوية الأحوال المدنية ) مع تنظيم شهادة الوفاة وتتحول كل مستمسكاته إلى ورقة واحدة حمراء تسمى شهادة الوفاة . لذا لا جدوى من طلب الجنسية وحتى الشهادة
ثم . ألا يمكن أن توكل المهمة لشخص واحد يستكمل ذلك عن طريق الحاسوب ونحن في زمن التكنولوجيا الرهيبة ؟
الشهيد الذي يتقاضى راتبا شهريا منذ أكثر من ثلاث سنوات ما معنى أن يراجع الحسابات ؟
الآليات : لو كان بذمة الشهيد أي آلية وتعني الآلية في مثل هذه الدوائر السيارة هل يعقل أن تبقى مخفية الأمر كل هذه المدة ؟ وإن كانت كذلك ممن سيقتطع ثمنها من الأطفال اليتامى أم من الزوجة الأرملة ؟
وحين يكون بذمته سلاح وهو قد سقط على الأرض وفي جسده أكثر من ثلاثين إطلاقة ؟ فهل علينا أن نرجع له الآن لنسأله أين فقد سلاحه . مثلما سألنا حينها على جهاز الموبايل وراح ولم يعد مع أمور أخرى ؟ فمن المسؤول عن فقدانه ليكون مسؤولا عن سلاحه ..؟ وهل على أيتامه أن يغرموا ثمن سلاحه ؟
رأفة بشهدائكم يا شرطة العراق .. لقد أمضيت فترة طويلة في مراجعتي وحتى كتابة هذا المقال ما زلت مراجعا مواظبا لترويج معاملة تقاعد الشهيد .
ملاحظة :
كتبت هذا المقال قبل أكثر من عام ولم أنشره لأسباب وبعد كل هذه المداولات والمحاولات وإكمال المعاملة انتاب العوائل الفرح والبهجة إذ أن المديرية تراجعت عن قرارها وراحت تصرف الرواتب للشهداء كما كانت من قبل ولكن يا فرحة الما دامت حيث ابلغ عوائل الشهداء مؤخرا ثانية بتوقف صرف رواتبهم مرة اخرى وتم وقد تم تبليغهم حين توجهوا للإستلام في آخر الشهر .فعادوا وكل له غصة يتساءل من خلالها هكذا إنصافكم لشهدائكم ؟
أما كان الأجدر أن تستلم العوائل الراتب من ثم تبلغ على أنها ستحرم منه ابتداء من الشهر المقبل ؟ خصوصا وإن التبليغ جاء مع الإحتياجات الكبيرة وأولها مصروفات الطلبة مع إبتداء العام الدراسي الجديد . ألا هل من مجيب ؟