- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مع أوباما.. هل تسير أميركا باتجاه التغيير؟
في الأيام القليلة الماضية تابع العالم باجمعه السباق المحموم باتجاه البيت الأبيض, وكانت تلك المتابعة لا تقتصر على النخب السياسية والحكومات بل تعدتها الى الشعوب بعامة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات ,اعتقادا من الجميع بأهمية ما يستتبع هذه الانتخابات من آثار ربما تمتد لأربع سنوات أو أكثر.
والأمر المثير في هذه الانتخابات يتجلى بطول هذا السباق وبحجم التغطية الإعلامية الهائلة التي رافقته وبمقدار الأموال غير المسبوقة التي أنفقت .ولعله افرز فيما افرز أوليات لم تعهدها أميركا فيما مضى ,من قبيل إن المرشح (اوباما) اول مرشح رئاسي من أصول افريقية وان نائبة الرئيس الجمهوري هي اول سيدة تترشح لمنصب نائب الرئيس.
وهذه الواجهات الجديدة لم يتعامل معها الشارع الأميركي سابقا إلا في هذه الانتخابات ،وحتما استحضرت الحكومات والشعوب كل الاحتمالات في حال فوز أي من المرشحين(اوباما ،مكين) ومنها العراق بشقيه الحكومي /الشعبي .
وبعد أن انجلت الغبرة واتضح من عدد الأصوات ،إن اوباما هو من سيجلس على كرسي البيت الأبيض علينا أن نعرف رؤيته على اعتباره من الحزب الديمقراطي الذي لم تكن له يد بما جرى في العراق بعد 9/ 4/ 2008 وما هي الصورة المفترضة لما يكون عليه العراق في ظل القيادة (الديمقراطية) وما سوف يقوم به في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دوما. قبل سنة أو مايزيد كتب باراك اوباما رؤيته لإعادة تجديد القيادة الأميركية في مجلة (فورين افيرس*) وقد حدد فيها ما يمكن أن تقوم به أميركا على الصعيدين الداخلي والخارجي ، والتجديد الذي يعنيه هو تكوين دولة قائمة على قيادة العالم على وفق ما فعله القادة السابقون أمثال فرانكلين روزفلت وهاري ترومان وجون كندي من بسط هيمنة أميركا على العالم ،لذلك فهو لا يتردد بالقول (إن هؤلاء القادة استخدموا القوة والهيمنة ليظهروا الولايات المتحدة في وجهها المشرق(
رؤيته على الصعيد الداخلي
يرى اوباما أن أفضل ما يمكن القيام به للحفاظ على الأمن الداخلي يكمن في محاربة الإرهاب والدول المارقة المتحالفة مع الإرهاب لأنها تعد مصدر التهديدات التي من شانها أن تؤثر على حلفاء أميركا ومن هنا فان(امن ورفاهية أميركا إنما تعتمد على امن ورفاهية أولئك الذين يعيشون ما وراء الحدود الأميركية ومن هنا نستنتج أن رسالة الولايات المتحدة تكمن في إيجاد امن كوني) واوباما يرى أن تكون نقطة البداية(عبر التزام واضح وصريح بأمن إسرائيل) لأنها تمثل عمقا ستراتيجيا لأميركا وهي الحليف الرئيس الذي ينبغي أن تلتزم أميركا بأمنها.
رؤيته على الصعيد الخارجي :
يرى اوباما إنعاش الدبلوماسية الأميركية عبر الشرق الأوسط لكن الدبلوماسية التي يريد (هي المنمقة بالذهنية القاسية والمدعمة بكل وسائل القوة الأميركية من أساطيل ووسائل اقتصادية وعسكرية قد تؤدي ثمار النجاح خاصة مع خصوم الولايات المتحدة المزمنين مثل إيران وسوريا) وهو يرى التعامل مع إيران وسوريا عبر مسارين مختلفين ، فمع إيران يجب منعها من تخصيب اليورانيوم كي لا تقع هذه الأسلحة بيد الأنظمة الثيوقراطية، وسوريا يجب أن تمارس عليها الضغوط كيما يتم توجيهها على المسار الصحيح بعيدا عن الأجندة الراديكالية.
أما على صعيد التهديدات المتنامية للمتمردين ( القاعدة،حزب الله،حماس) فيرى اوباما ازدياد أهمية مواجهتها) وتحجيم دورها وتشديد عزلتها (لتحقيق امن أفضل لإسرائيل( .
ومن الضروري أن ياخذ اوباما بنظر الاعتبار استعمال القوات المسلحة في ظروف (خارج نطاق الدفاع عن النفس لتامين الأمن العام الذي يساعده في زرع مزيد من الاستقرار العالمي( .
أو لمجابهة الفظائع الوحشية التي تحدث في مكان ما في العالم حين تستخدم القوات المسلحة في حالة من غير حالات الدفاع عن النفس.
لذلك فان القوات المسلحة الأميركية هي بحاجة للمزيد من المقاتلين المدربين كيما تقوم بهذه المهام التي تتطلب مناورة في خارج وداخل أميركيا ومن هنا يجب زيادة عديد هذه القوات بما يقارب (65000 عنصر جديد للقوات البرية و27000 عنصر جديد لمشاة البحرية( .رؤية اوباما للوضع في العراق.والموضوع الآخر الذي يوليه اوباما اهتماما خاصا هو العراق فانه يرى أن القوات الأميركية من مجندين ومجندات انما تقوم بعمل عظيم لكن ينبغي أن تنسحب هذه القوات ( ويجب أن نترك وراءنا الحد الأدنى من عديد القوات الكافية لحماية الأشخاص والمصالح الأميركية ونستمر في تدريب قوات الأمن العراقية( .
)لكن في النهاية علينا أن نعلم أن وحدهم القادة العراقيين هم الأقدر على جلب سلام حقيقي للعراق( .وبهذه النظرة الإجمالية تسقط المراهنات التي كانت تعتقد أن اوباما فعلا سيغير سياسة أميركا على الصعيدين الخارجي والداخلي فهو وعبر هذه المقولات التي أطلقها امتداد طبيعي لاستمرار أميركا في هيمنتها على العالم ولكن بشكل (ناعم) الى حد ما وان اقتضت الضرورة فلا سبيل غير استخدام القوة انطلاقا من إستراتيجية حماية المصالح الأميركية أو حماية مصالح شركاء أميركا.
ومن هنا فان التفاؤل المتنامي بازدياد بدخول اوباما الى البيت الأبيض ليس بمحله ولا يشكل قراءة حقيقية لما يطمح به هذا الرجل ، ولا يمكن أن يكون لهذا التفاؤل أثر حقيقي على الأرض،لاسيما فيما يخص الوضع في العراق،سوى أن الكلمة الوحيدة التي تعنينا في ما تقدم من رؤية لباراك اوباما،إن العراقيين عليهم أن يدركوا أن وضعهم ا الداخلي وترميمه ليس مرهونا بما تقدمه أميركا لهم ،بل ما يقدمه الشعب والساسة لجلب السلام الحقيقي لبلادهم.
*ما بين الأقواس أجزاء من مقال لاوباما نشر في مجلة فورين افيرس عدد آب 2007
ترجم لمجلة مدارك الفصلية التي تصدر عن مؤسسة مدارك للبحوث والدراسات في عددها السابع نهاية 2007