
عادت أزمة كركوك للواجهة، بعد منع الجيش مزارعين كُردا من حراثة أرض “متنازع عليها”، ولم تحسم عائديتها حتى الآن وفق قانون إعادة العقارات لأصحابها الذي أقره البرلمان مؤخرا، الأمر الذي فجر جدلا كبيرا وخطابا “مذهبيا وقوميا”.
وفيما نبذت أطراف في المحافظة هذا الخطاب، الذي يتزامن مع قرب إجراء الانتخابات التشريعية، ورفضت المساس بالجيش ووصفه بارتكاب ممارسات “شوفينية”، طالبت أطراف أخرى بإبعاده عن هذه القضايا واللجوء للقضاء والقانون لحل أزمة الأراضي الزراعية.
ويقول الأمين العام للمجلس العربي في كركوك، حاتم الطائي، إن “هذه القضية تعود للقضاء والقانون وهو الفيصل والحاكم بها، ولا ينبغي استغلالها لمصالح سياسية وانتخابية، خاصة وأن كركوك تشهد استقرارا أمنيا، ولا يجب تأجيج الصراع الطائفي والقومي في المدينة”.
ويضيف الطائي، أن “الاتهامات التي توجه للجيش العراقي بممارسة سياسة عنصرية وشوفينية غير صحيح، فالجيش هو مؤسسة عريقة، وكانت له تضحيات في سبيل حماية البلد، وتحرير الأراضي، ويجب الركون لخطاب التهدئة، والابتعاد عن التصريحات المتشنجة”.
وكانت مقاطع فيديو انتشرت يوم أمس الأول الثلاثاء، تظهر منع عناصر من الجيش، لفلاحين كرد من حراثة أرض، مسجلة على أنها أراض متنازع عليها، ولم يبت بحسمها القضاء.
وأكد فلاحون كرد من قرى مجاورة في قضاء الدبس بمحافظة كركوك ومنطقة شناغة، أنهم منعوا من زراعة أرضهم بعد صدور قرار قضائي أعاد لهم حقهم بموجب قانون إعادة العقارات وأن وحدة من الجيش منعتهم بالقوة من زراعة تلك الأراضي.
وعلى خلفية حالة التوتر بين الجيش والمزارعين، والخشية من تطورها، خصوصا في ظل الحديث عن رغبة الكرد بالتظاهر لتنفيذ بنود القانون واستعادة أراضيهم، أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على ظروف التوتر بين الجيش والمواطنين.
من جانبه، يبين مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني في ناحية سركران بقضاء الدبس، أحمد هيوا، أنه “تم الاتفاق على تأجيل زراعة أو حرث الأرض من قبل المزارعين الكرد، وبانتظار تعليمات قانون إعادة العقارات الذي تم نشره في الجريدة الرسمية”.
ويلفت هيوا، إلى أن “القضاء العراقي والإجراءات التي ستصدر من وزارة العدل، ومن لجنة مختصة، هي التي ستكون الفيصل بين المختلفين، ويجب عدم تدخل الجيش في هذه القضايا، لأنها ليست من اختصاصه، ومن اختصاص القضاء والحكومة حصرا، وصدر بها قانون صوت عليه البرلمان”.
وكان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، أصدر بيانا غاضبا، وصف فيه عملية منع المزارعين الكرد من العودة إلى أراضيهم بـ”الممارسات الشوفينية”، مؤكدا أن “مشاهد إيذاء فلاح كردي والممارسات المجحفة بمنع المزارعين الكرد من العودة إلى أراضيهم تعيد إلى الأذهان صور القصف الكيميائي والإبادة الجماعية التي تعرض لها أبناء شعبنا خلال القرن الماضي”.
كما أصدرت كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان، بيانا أعلنت فيه دعمها الصريح والواضح للفلاحين وأصحاب الأراضي، وشددت الكتلة على ضرورة الإسراع في إبعاد الجيش وجميع القوات المسلحة غير المرتبطة بقوات الداخلية من كركوك ومناطق المادة 140.
إلى ذلك، يبين عضو مجلس محافظة كركوك رعد الصالح، أن “ما حدث في كركوك هو تصرف غير مسؤول، فهناك قانون شرع لتنظيم قضية الأراضي وهناك قضاء للبت بهذه القضايا”.
ويؤكد الصالح: “أننا كحكومة محلية ومجلس محافظة في كركوك، ندفع إلى أن يكون الحل قضائيا وليس بالتصعيد الطائفي مع قرب موعد انتخابات مجلس النواب، لأن ذلك يعتبر تأجيجا للطائفية في هذا الوقت الحساس في المحافظة”.
وطالب أكثر من 50 نائبا في البرلمان العراقي من الكتل الكردستانية بعقد جلسة استثنائية للبرلمان لبحث تجاوزات الجيش على المزارعين الكرد في قرى ضمن حدود محافظة كركوك، رغم قرار البرلمان والقضاء بإعادة العقارات والاملاك المصادرة من قبل النظام السابق.
وكان مجلس النواب، صوت الأسبوع الماضي، على قانون إعادة العقارات الى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل)، في سلة واحدة، إلى جانب تعديل قانون العفو العام وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وتمت مصادقة رئاسة الجمهورية على القوانين، وتم نشرها في جريدة الوقائع العراقية.
من جانبه، يبين الكاتب والمحلل السياسي طلال الجبوري، أن “مكونات كركوك من مختلف القوميات كردا وعربا وتركمانا، يتعايشون بينهم، ولا توجد خلافات، وهنالك اختلاط واحترام كبير بين أهالي المحافظة”.
ويتابع الجبوري، أن “استخدام التأجيج القومي من قبل الأحزاب الكردية مرفوض بتاتا، فالقضية هي قضائية وقانونية، كما أن تعليمات قانون إعادة العقارات لم تصدر حتى الآن، وبالتالي الجيش منع المزارعين الكرد من حراثة الأرض، لكي لا تحصل مشاكل مع المزارعين العرب، والجيش يتعامل مع التعليمات والقانون”.
ويستطرد أن “ما حصل من بيانات وتصريحات هدفها واضح، هو الكسب الانتخابي، لأن أغلب الأحزاب وخاصة الكردية مفلسة، وتعاني جماهيريا بسبب المشاكل الكبيرة في كردستان، فبدأت تصعد من الخطاب القومي، في محاولة لاستعادة شعبيتها”.
يذكر أن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، رحب بإقرار القانون، واعتبره خطوة مهمة لـ”إعادة الحقوق إلى أصحابها”.
يشار إلى أن النظام السابق، عمد إلى منح أراض في كركوك، سواء المملوكة للدولة أو لمواطنين كرد، إلى العرب، وقدم حوافز مالية لعائلات عربية مقابل انتقالها من الجنوب والوسط إلى كركوك، وملَّكها هذه الأراضي، في خطوة لتعريب المحافظة آنذاك.
وتشهد كركوك، وهي المحافظة التي تضم كافة مكونات العراق، توترات عديدة، وغالبا ما تندلع فيها اشتباكات مسلحة بين بعض القوميات والأحزاب.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- اتفاقية خور عبد الله إلى الواجهة.. "طعون" لدى المحكمة الاتحادية و"حراك" لاستجواب المسؤولين
- حرب ترامب التجارية.. من وهم "التحرير" إلى خطر التدمير
- أحداث كركوك.. الخطاب "العنصري" إلى أين؟