
لطالما كان تنويع الإيرادات في العراق يصطدم بـ"الهيمنة النفطية" والخطط "غير الجديرة" للحكومات المتعاقبة، فاعتماد الموازنة الكلي على النفط، وضع الحكومة على بساط من القلق الذي يسببه تقلب أسعار البترول في السوق العالمية، في ظل تدهور الزراعة والصناعة.
ومع تجاوز أعداد سكان العراق 46 مليون نسمة وفق التعداد السكاني الذي أعلنته وزارة التخطيط، أكد رئيس مؤسسة عراق المستقبل، المعنية بالاقتصاد والاحصائيات منار العبيدي، أن معدل الزيادة السكانية في العراق هو مليون نسمة سنوياً، مشيراً إلى أنه اذا استمر انتاج وأسعار النفط الحالية فإن نسبة الفقر في العراق ستبلغ 84 بالمائة.
ويعد استمرار الدولة العراقية بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد للموازنة العامة، أمراً خطراً في مواجهة الأزمات العالمية التي تحدث بين الحين والآخر لتأثر النفط بها، مما يجعل البلاد تتجه في كل مرة لتغطية العجز عبر الاستدانة من الخارج او الداخل وهو بذلك يشير إلى عدم القدرة على إدارة أموال الدولة بشكل فعال، والعجز عن إيجاد حلول تمويلية بديلة.
وقال العبيدي في منشور على "فيسبوك"، إن "عدد سكان العراق هو 46 مليون نسمة وفقا للتعداد العام الذي أعلنته وزارة التخطيط، وبلغت نسبة النمو السكاني السنوي 2.53%، ما يعني أن عدد سكان العراق يزداد بأكثر من مليون شخص سنوياً، مما سيجعل العدد يتجاوز 50 مليون نسمة في 2030، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 70 مليون نسمة في 2040".
وأضاف "أما نسبة الفقر، فقد أعلنت الوزارة أنها تبلغ 17.5 بالمائة، أي أن من بين كل 30 عراقي، هناك 5 أشخاص تحت خط الفقر"، معتبراً ان "المشكلة الحقيقية في العراق لا تتعلق فقط بأسعار النفط أو التوترات الجيوسياسية، بل بالخطر الديموغرافي المتسارع".
وأشار الى انه "إذا كانت موازنة العراق الحالية البالغة 160 تريليون دينار غير قادرة على خفض نسبة الفقر عن 17 بالمائة، فإن الوصول إلى معدل فقر أقل من 5% مع عدد سكان يبلغ 70 مليون نسمة في 2040 يتطلب موازنة سنوية تتجاوز 300 تريليون دينار، وباعتبار أن سعر برميل النفط المتوقع في 2040 سيكون حوالي 50 دولاراً، فإن العراق سيحتاج إلى تصدير 12.5 مليون برميل يومياً لضمان إيرادات كافية لتغطية هذه النفقات".
واعتبر أنه "في حال استمر الوضع الحالي من حيث الإنتاج والإيرادات دون تغيير، مع بقاء الموازنة على نفس مستوياتها، فإن معدلات الفقر قد ترتفع إلى 23 بالمائة بحلول 2030، وقد تصل إلى 84% في 2040 إذا تراجعت أسعار النفط ولم يتم اتخاذ إجراءات جذرية".
وشدد على انه "نحن أمام قنبلة موقوتة تستوجب التفكيك فوراً، ويجب البدء بحملات توعوية لتقليل معدل النمو السكاني، والعمل على زيادة الإيرادات الحكومية وتنويع الاقتصاد، إذا لم يحدث ذلك، فإن العراق يواجه خطراً حقيقياً قد يحوله إلى دولة تعاني من أزمات شبيهة بالدول الإفريقية، مع انتشار الفقر، الصراعات القبلية، المجاعات، والجريمة بشكل واسع".
وجاءت هذه التصريحات في ظل التصريحات النارية المتبادلة بين ترامب وإيران حول إلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، ضمن حزمة عقوبات جديدة على الأخيرة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة كهرباء مزمنة، ولا تملك بديلاً من الغاز الإيراني.
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية منذ عقد ونيف تقريباً، ولا سيما في ذروة الصيف، والتي عادة ما تشهد احتجاجات شعبية جراء نقص الغاز وانطفاء التيار الكهربائي لساعات طويلة أو حتى أيام. وخلال الأشهر الماضية، فقد العراق أكثر من 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، فيما لم تتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص، ما أدّى إلى انخفاض ساعات التغذية في معظم مدن البلاد.
يشار إلى أن الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع سعر صرف الدولار وانعكاسه على أسعار السلع والمواد الأساسية، قد ساهمت في ارتفاع مستوى خط الفقر، إذ أكدت إحصاءات تصدر محافظات الجنوب معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52 بالمائة، وتليها محافظة القادسية وميسان وذي قار بنسبة 48 بالمئة، فيما بلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد 13 بالمائة، وفي محافظة نينوى 34.5 بالمائة، في حين تصل نسبة الفقر في محافظات الوسط إلى 18 بالمائة.
وكان الخبير الاقتصادي همام الشماع، أكد في تصريح سابق، أن "الفقر في العراق حالة متحركة نحو الأعلى أي يزداد الفقراء يوما بعد آخر، بسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار والارتفاع المتواصل للأسعار وتراجع مستويات العمالة والعمل المتاح للمواطنين، وفي تقديري كل الموظفين الذين يستلمون دخولا ثابتة تقل عن مليون دينار شهرياً أصبحوا كعائلة من الفقراء، لأنهم لا يستطيعون أن يوفروا المستويات التي اعتاد عليها المواطن العراقي في السبعينات والثمانينات".
وأشار إلى أن "المعالجة يجب أن تبدأ أولا بالقضاء على الفساد الذي يستهلك ثلث ثروة العراق، ويستحوذ على 50 بالمئة من موارد العملة الأجنبية ويمنع نحو 60 بالمئة من فرص الاستثمار في العراق".
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة "أوبك"، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
ومع ذلك، زاد العراق موازنته في عام 2024 حتى بعد الإنفاق القياسي في عام 2023، عندما تم توظيف أكثر من نصف مليون موظف إضافي في القطاع العام المنتفخ، وبدأت عملية تجديد البنية التحتية الوطنية المكثفة رأس المال، كما أن الموازنة تفترض سعر نفط 70 دولاراً للبرميل في عام 2024، أي أقل بنحو 6 دولارات من متوسط السعر المحتمل هذا العام.
وأكد مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في أيلول 2024 أن العراق سيواجه أزمة في الموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
وتم احتساب سعر برميل النفط بـ70 دولاراً في موازنات العراق للسنوات 2023 و2024 و2025، وهذا أقل مما يباع حالياً في الأسواق العالمية، ويتم تصدير نحو 3.5 مليون برميل نفط يومياً، وهي حصة العراق في أوبك، والتي على أساسها تم احتساب إيرادات العراق النفطية وغير النفطية التي بلغت 147 تريليون دينار.
ورفعت شركة بي.إم.آي للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز توقعاتها لعجز ميزانية العراق في 2024 من 3.3% إلى 7% ما يرجع في الأساس إلى ضعف آفاق الإيرادات النفطية التي تمثل 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية.
أقرأ ايضاً
- البحث عن بدائل الغاز الإيراني يدفع العراق للجوء إلى الجزائر
- انخفاض جديد لأسعار الدولار في العراق
- إسبانيا تعلن استعدادها للمساهمة في تطوير قطاع الطاقة في العراق