- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المساهمة الجنائية لمبتكر الذكاء الاصطناعي
بقلم: القاضي محمد شاكر محمود
شهد التطور التكنولوجي وعلى وجه الخصوص التقدم في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وانتشار تطبيقاته فورة في وتيرته، جعل العالم يدخل في عصر جديد، ويقف على أعتاب التغيير في معظم مناحي الحياة، من خلال الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمركبات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار، وتكنولوجيا النانو، ومن أهم خصائص الذكاء الاصطناعي القدرة على التعلم والاستنتاج، ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، والقدرة على اتخاذ القرار دون تدخل بشري، فهذا النمو السريع جعل الإنسان ينتقل من عصر الــ(IT) أي عصر تكنولوجيا المعلومات الذي يرتكب من خلاله المُجرم الجريمة باستخدام الحاسوب، إلى المرحلة الحالية وهي الــ (AI)، أي عصر الذكاء الاصطناعي، وهو عصر جرائم الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بحيث ترتكب الجريمة من خلال استغلال الجاني أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وفي هذا السياق يمكننا استحضار بعض الأمثلة التي تشكل نماذج للاستخدام السلبي لهذه التقنيات، مثلما حصل مؤخرا في انفجار سيارة (تسلا) الذي حدث في مدينة لاس فيغاس الأمريكية إذ كشفت التحقيقات الأولية إلى استخدام قائد السيارة برنامج "تشات جي بي تي" للتخطيط للانفجار، وصنع العبوة الناسفة، ومعرفة كمية المتفجرات اللازمة، وفي وقت سابق فقد حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي والإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية من خطورة الذكاء الاصطناعي للسيطرة على أفكار الأشخاص البسطاء، فمثلًا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو تظهر أشخاصًا حقيقيين يقولون أشياء خيالية. وهي تقنية يمكن استخدامها لتزييف مقاطع فيديو، أو ترويج أخبار كاذبة قد يكون لها تأثير على السِّلم الأهلي، أو استخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا لجمع معلومات عن الأفراد واستخدامها لابتزازهم، أو الاختراق أو التجسّس، فالاستغلال البشري السيء لهذه التقنيات يثير العديد من الصعوبات من الناحية القانونية وكيفية التعامل معها اخصها فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية ومدى تحقق المساهمة الجنائية بصورها المحددة في المواد 47 و48 و49 من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 المعدل، للجهة المصنّعة الشركة التي تمتلك التكنولوجيا كشخص معنوي، أم المبتكر الذي أنشأ البرنامج كشخص طبيعي؟ إذ قد يكون المبرمجون أو الشركات المطورة للأنظمة الذكية، مسؤولين جنائيًا إذا ثبت أن البرنامج تم تصميمه بنية ارتكاب جريمة، أو أنه يحتوي على ثغرات أمنية تُسهّل استخدامه في أنشطة غير قانونية. كما يمكن أن تكون هناك حالات تتضمن إهمالًا في تصميم النظام، أو عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استخدامه في الجرائم من خلال عدم حظر المعلومات الخطرة التي تؤثر على الامن الوطني وجعلها متاحة، إذ بإمكان مبتكر البرنامج تطويره بأن يحظر كل ما يؤدي إلى اساءة استخدام البرنامج، ويعتمد تحديد مدى تحقق المساهمة الجنائية لمبتكر البرنامج على قدرة التحقيقات في إثبات ذلك مع وجود نص قانوني يجرم تلك الأفعال، ذلك أن التحديات المرتبطة بالمسؤولية الجنائية في جرائم التكنولوجيا تتطلب تفكيرًا جديدًا وإجراءات قانونية مبتكرة، وتشريع قوانين تواكب التطور يتم الاعتماد فيها على التكنولوجيا الحديثة ليأخذ فيها الذكاء الاصطناعي دورًا إيجابيًا في مجال القانون الجنائي وليس فقط في الجانب السلبي المتمثل في استغلاله لارتكاب الجرائم، إذ يمكن استخدامه في الكشف عن الجريمة ومكافحتها، وتحسين عمليات التحقيق، وتحليل الأدلة، ذلك أن التشريعات الحالية غدت لا تُلائم الواقع المتطور ولا تستوعب الخصائص الفريدة لهذه التقنيات، إذ تعتمد معظم القوانين الحالية الوطنية أو الاقليمية على مبادئ المسؤولية الجنائية التقليدية.
أقرأ ايضاً
- التقاضي الإلكتروني.. نحو عدالة الذكاء الاصطناعي
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد