يشهد العراق تصاعدا واضحا في معدل الجرائم بوتيرة متسارعة وبطرق وحشية تختلف التفاصيل من جريمة إلى أخرى، الأمر الذي يراه مراقبون أنه انعكاسا للوضع الاقتصادي المتراجع، فضلا عن التحولات التي يمر بها المجتمع التي باتت تهدد تماسكه ومبادئه.
وتكشف الإحصائيات الخاصة بأعداد الجرائم في العراق عن ارتفاع حالات القتل خلال الشهرين الأولين من العام 2024، مقارنة بالشهرين السابقين لهما أي شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2023.
وبلغ عدد حوادث القتل في شهر كانون الثاني الماضي، 46 حالة قتل، أما في شباط، بلغت حوادث القتل 44 حالة، وفقا لبيانات تم جمعها من مواقع مختصة.
ويقول العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، علي البياتي، إن “ارتفاع مؤشر الجريمة في العراق له أسباب عديدة، أبرزها الفقر والبطالة التي دفعت بالكثير للقيام بأعمال غير قانونية، بالإضافة إلى تعاطي بعض الشباب للمخدرات وانتشار هذه الآفة في المجتمع”.
ويضيف أن “العوامل الاقتصادية السيئة للكثير من الشباب دفعتهم إلى سلوك طرق غير قانونية لغرض الكسب، وهذا الأمر يتطلب معالجة حكومية تحد من نسبة الفقر والبطالة، فهذا الأمر سيكون له أثر إيجابي كبير للحد من نسب الجرائم المختلفة”.
ويتابع البياتي، أن “ارتفاع مؤشر الجرائم داخل العائلة، يعد أمرا خطيرا لاسيما أنه انتشر بشكل كبير في المجتمع، وأغلب من يرتكب تلك الجرائم يكون من مدمني المخدرات، ولهذا يجب تكثيف الحملات الأمنية لضرب أوكار المخدرات وإنهاء مافياتها التي أصبحت خطرا حقيقيا على المجتمع العراقي”.
وكان رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، قد كشف في وقت سابق، أن العراق يحتل المرتبة 80 من أصل 148 دولة، والمرتبة الثامنة عربيا بمؤشر الجريمة للعام الحالي، بعد كل من سوريا بنسبة 69.1 بالمئة، واليمن ثانيا بـ68.6 بالمئة، وليبيا ثالثا 60.4 بالمئة، والجزائر رابعا 52.2 بالمئة، ومصر خامسا 47.3 بالمئة، والمغرب سادسا 46.5 بالمئة، ولبنان سابعا 46.4 بالمئة، والعراق ثامناً بنسبة 44.7 بالمئة.
من جانبه، يفيد عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية حسين علي مردان، بأنه لا يتفق مع البياتي فيما ذهب إليه، مؤكداً أن “الوضع الأمني بصورة عامة مستقر، والارتفاع في نسب الجرائم، هو ضمن النسب الطبيعية وفق المؤشرات العالمية، وهي جرائم أغلبها ذات طابع جنائي”.
ويلفت إلى أن “هناك تطورا ملحوظا وكبيرا في أداء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كشف الجناة والقبض عليهم خلال ساعات قليلة جدا، وهذا الأمر مهم ويحد كثيرا من نسب الجرائم، التي هي غالبا تكون لأسباب مالية أو خلافات عشائرية أو شخصية”.
ويكمل “نتوقع في ظل الاستقرار الأمني سنشهد خلال المرحلة المقبلة تراجعا كبيرا في نسبة ارتكاب الجرائم المختلفة، وهذا الأمر أكيد يعود لأداء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الذي تطور بشكل كبير والنسب ستكون أقل بكثير من المعدلات الطبيعية في أغلب دول المنطقة والعالم”.
وبالعودة إلى بيان الغراوي، فهو يؤكد أن هناك تقدماً محرزاً في مواجهة الجريمة من قبل السلطات التنفيذية والقضائية والأمنية وبنسبة مؤشر تحسن وسلامة بلغ 55.3 بالمئة، لافتا إلى أن أهم الجرائم المنتشرة في العراق هي جرائم المخدرات والجنسية والإرهابية والإتجار بالبشر والقتل والخطف والانتحار وغسل العار والسرقة والفساد المالي إضافة إلى المخالفات والجنح والتي تتوزع على عموم المحافظات.
فيما يرى الخبير القانوني علي التميمي، أن “العراق يشهد بشكل شبه يومي حالات قتل وخطف واغتصاب بالإضافة إلى الانتحار وأساليب وحشية في ارتكاب هذه الجرائم، الأمر الذي يشير إلى وجود نزعة عالية لارتكاب الجرائم لدى الجناة”.
ويشير إلى أن “الجانب النفسي يطغى في هذه الجرائم وهذا يحتاج إلى دراسات لهذه الظواهر من المختصين ومن ثم نشر الوعي عن طريق الإعلام ورجال الدين والمدارس”.
ويبين أن “أهداف العقوبة الجنائية هي الردع حيث يشدد قانون العقوبات العراقي في مثل هذه الجرائم، فمثلا جرائم القتل بالحرق عقوبتها الإعدام وفق المادة أ/1/406، وحتى اغتصاب الصغيرات عقوبتها الإعدام وفق المادة 393/2 من قانون العقوبات العراقي”.
ويتابع التميمي، أن “أسباب هذه الجرائم كثيرة، منها تناول المخدرات والبطالة وانتشار السلاح المنفلت وضعف الوازع الديني، وهذه الجرائم طارئة على العراق وتحتاج إلى وقفة طويلة وحلول سريعة من قبل الجهات المعنية”.
يشار إلى أن إحصائيات صادرة عن جهات أمنية عراقية، كشفت عن تسجيل نحو ربع مليون جريمة في العام 2023 في محافظات العراق عدا إقليم كردستان، مبينة أن الجرائم توزعت بواقع 41 ألفا و582 دعوى جزائية محالة لمحاكم الجنايات، وبمعدل 114 جريمة خطرة يوميا.
إضافة إلى 172 ألفا و785 دعوى جزائية محالة لمحاكم الجنح وبمعدل 474 جريمة جنحة متوسطة الخطورة يوميا، 9243 دعوى جزائية محالة لمحاكم الأحداث وبمعدل 25 جريمة يرتكبها أطفال وأحداث بأعمار أقل من 18 سنة يوميا.
من جهتها، توضح الباحثة النفسية إيناس هادي سعدون، أن “العراق شهد بعد العام 2003 ارتفاعا كبيرا في نسبة الجرائم نتيجة لعوامل متعددة ومعقدة منها الاضطرابات السياسية والأمنية”.
وتنبه إلى أن “الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية زادت من حالة عدم الاستقرار، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي، فإن البطالة والفقر أدت إلى زيادة الجريمة نتيجة للسعي وراء البقاء وتأمين لقمة العيش”.
وتتابع سعدون أن “التفاوت الكبير في الدخول الاقتصادية زاد من الفوارق الاجتماعية ومن الشعور بالإحباط واليأس، مما دفع البعض للجوء إلى الجريمة”.
وتكمل “التفسير النفسي والاجتماعي لارتفاع نسبة الجرائم في العراق يمكن فهمه من خلال تحليل مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي أسهمت في تفاقم الوضع الأمني والاجتماعي في البلاد منها، تعرض العراقيين للصدمات النفسية نتيجة الحروب والاضطرابات الأمنية المستمرة، مما أدى إلى زيادة مستويات التوتر والقلق والاكتئاب، مما ساهمت في زيادة السلوكيات العنيفة والجريمة”.
وتلفت الباحثة إلى أن “الأجيال التي نشأت ما بعد العام 2003 وترعرعت في ظل العنف والاضطرابات المستمرة تبنت سلوكيات عنيفة وعُدت وسيلة طبيعية لحل النزاعات، الأمر الذي زاد من احتمالية الانخراط في أنشطة إجرامية”.
وتختم بالقول إن “انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية أضعف ثقة المواطنين إلى حد كبير في النظام القانوني فأدى إلى انتشار الفوضى والجريمة كوسيلة للحصول على الحقوق والموارد بطرق غير شرعية”.
وأظهر مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، ارتفاع تصنيف العراق في مؤشر الجريمة خلال العام 2023 مقارنة بالعام 2021، حيث جاء العراق في المرتبة الثامنة عالميا والمرتبة الثانية في قارة آسيا.
وبحسب المؤشر فإن درجة الإجرام في العراق خلال العام 2023 بلغت 7.13 درجة، مقارنة بالعام 2021 التي بلغت حينها 7.05 درجة.
ويظهر المؤشر أن العراق في المرتبة الثامنة من بين 193 دولة عالميا في مؤشر الجريمة، كما جاء في المرتبة الثانية من بين 46 دولة في قارة آسيا، وفي المرتبة الأولى من أصل 14 دولة بمنطقة غرب آسيا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "لن نغادر إلا للسماء".. فلسطينيون يرفضون التهجير من شمال غزة
- كيف تسبب التوتر الإقليمي بترحيل أزمة رئيس البرلمان؟
- أدخنة النفايات والمعامل تخنق سماء بغداد.. فأين الحلول؟