حفر الفساد خلال السنوات العشرين الماضية جذورا عميقة لا يمكن السيطرة عليه، إذا لم تكن هناك إرادة سياسية وإجماع على ذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار.
الدلالات على تراكمات الفساد باتت جلية، فقضية سرقة القرن والمتهم نور زهير كانت الأبرز، حيث أطلق سراحه بتسوية وأعيدت له كافة أملاكه وعقاراته في بغداد والبصرة، وتم رفع الحجز عنها.
ورغم عدم جدوى الإجراءات التي اتخذها العراق خلال الفترة الماضية، بشأن قضايا الفساد الكبرى، إلا ان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجه خلال المؤتمر الأول لمكافحة الفساد، بالإسراع في حسم القضايا المتعلقة بالرأي العام ومبالغ الفساد الكبيرة.
يشار إلى أن العراق منح نسبة لمن يعيد الأموال المهربة وهي بمثابة مكافأة لمختلسيها، بحسب مختصين.
اذ قال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان تلقته وكالة نون الخبرية، إنه "برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، عقد مكتب رئيس مجلس الوزراء، المؤتمر الأول لمكافحة الفساد، الذي استعرض الجهود المبذولة في هذا المضمار خلال عام كامل، بحضور عدد من الوزراء والنواب والمستشارين ومسؤولي الدوائر والهيئات المعنية بمكافحة الفساد".
وثمّن رئيس الوزراء، في كلمة له، بحسب البيان "جهود جميع المتصدّين لآفة الفساد"، واصفاً "وقفتهم بالبطولية، والنابعة من موقف شرعي وأخلاقي وقانوني في الحفاظ على المال العام، وما تعنيه مواجهة حالات الفساد المالي والإداري".
وبيّن أن "الفساد أصبح عاملاً محدِّداً لجميع خطط التنمية، وأنّ الخسارة الكبرى تتمثل في تسبب الفساد بفقدان الشعب الثقة التامة بمؤسسات الدولة والنظام السياسي، وأن المواطن بات يستشعر وجود الدولة من خلال جهود مكافحة الفساد، وما تنجز الأجهزة الخدمية من منجزات على الأرض".
وأكد "وجوب التوقف عند محطة مكافحة الفساد، وأن الحكومة قد وضعت هذا الملف على رأس أولوياتها، وشرعت بالعمل في مجالات عدة، بينها مخاطبة الدول التي تتواجد فيها أموال الفساد، وتأليف الهيئة العليا لمكافحة الفساد وما أنجزته من ملفات، وكذلك تشكيل فريق متخصص يتولى التدقيق في الإخبارات والشكاوى، وعلى إثر ذلك جرى تشخيص العديد من مظاهر الفساد وأحيلت إلى القضاء وفق القانون".
وأشار إلى "تأليف لجان تحقيقية مع المسؤولين من المستويات كافة، عند طلب الجهات المعنية بمكافحة الفساد، وهذا الأمر كان من الأسباب المعطِّلة لحسم القضايا أمام المحاكم".
واختُتم المؤتمر بجملة توصيات جاء فيها:
1- الإسراع في حسم وإنجاز الإخبارات والشكاوى والدعاوى الجزائية ضمن المدد المحددة قانوناً، وخصوصاً القضايا المتعلقة بالرأي العام ومبالغ الفساد الكبيرة، وكبار موظفي الدولة؛ بغية فرض الجزاء القانوني بحق المدانين وتعزيز الثقة في إجراءات المساءلة والمحاسبة لضمان تحقيق الردع العام.
2- التقييم الدوري لأداء أصحاب الدرجات الوظيفية العليا، لضمان فاعلية وأداء المؤسسات الحكومية؛ منعاً للفساد وحماية للأموال العامة.
3- تعزيز الموارد البشرية والقدرات الفنية لأجهزة الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، لزيادة فاعلية وكفاءة أدائها، وإنشاء آليات تقييم دورية وشفافة لمستواها وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تطوير.
4- تعزيز استقلال الأجهزة الرقابية، وتوفير الدعم المالي والتقني لزيادة مستوى قدرات ومهارات العاملين فيها، في مجال استخدام التكنولوجيا والأساليب الحديثة في رصد ومكافحة الفساد.
5- تطوير وتحديث التشريعات لمواكبة التطورات والمستجدات، وسد الثغرات لتوفير أطر قانونية فعالة وشاملة في مكافحة الفساد والوقاية منه.
6- السعي لتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون مع الدول والمنظمات الدولية، وإنشاء آليات دائمة للتنسيق معها لتبادل المعلومات في مواجهة التحديات المشتركة في مجال مكافحة الفساد والحد منه، خصوصاً ما يتعلق باستعادة عوائد الفساد، واسترداد المتهمين والمدانين والمطلوبين ومحاكمتهم.
7- تشريع قانون لاستحداث هيئة الرقابة، استناداً إلى أحكام المادة 108 من الدستور؛ تعزيزاً للرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، وتنظيم إجراءات الرقابة الوقائية السابقة واللاحقة، ورفع مستويات المسؤولية والنزاهة والشفافية؛ حماية للأموال العامة.
يشار إلى أن الحكومة العراقية أعلنت في تشرين الثاني من العام الماضي، عن تسوية ملف "سرق القرن" عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استراداد الأموال المنهوبة وذلك خلال مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء محمد السوداني.
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول 2022 (خلال عهد حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي)، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
يذكر أن رئيس الجمهورية السابق قدم عام 2022، مشروع قانون "استرداد عوائد الفساد" إلى البرلمان، لاسترداد الأموال التي نهبت خلال سنوات ما بعد 2003، ويستهدف مشروع القانون كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل من الشركات الحكومية والعامة منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، وبموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500 ألف دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية، ولاسيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 - 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
أقرأ ايضاً
- مصرّ تسلّم العراق مداناً بالفساد منسوباً لديوان محافظة ديالى
- يقيمون خارج البلاد.. أكثر من مليوني عراقي مستبعدون من التعداد
- برلماني مخاطباً مجلس القضاء : متى تحسم ملفات الفساد