- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العِناد والاقتصاد والدينار والدولار وأشياءَ أخرى
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
قضيّةُ العلاقة بين الدينار والدولار، و "الغاطِس" بينهما، ومعهما.. هي قضيّةُ اقتصاد، وليست قضيّةُ "عِناد".
بمعنى أنّ "المعركة" بين الدينار والدولار (ونحنُ من قمنا بتحويلها إلى "معركة")، ومهما كانت دوافعنا بصددها، ستُدار بوسائل و "أدوات" اقتصاديّة، وليست عسكرية.
القضية هي ليست قضية "مناكفة" بين صديقين حميمين، أو بين شخصين في علاقة عابرة.. وليست مقاربة لمبدأ "مع أو ضدّ"، وهو المبدأ الأثير لدينا في التعامل مع الاخر "المُختَلِف".. وليست أيضاً قضيّة "عَضّ أصابع"، و "المهزومُ" فيها هو من سيصيح "آآآآخ" قبل غيره.
كلّنا نصيحُ "آآآآخ" الآن، وسنصيحُ "آآآآآخ" في نهاية المطاف.. وسوف يصيحُ معنا "آآآآآآخاتَ" لا تُعَدُّ ولا تُحصى، هذا العراقُ كُلّه.
إنّ قضيّة العلاقة بين قيمة الدينار وقيمة الدولار في السوق (كما في أيّ مكانٍ آخر)، تتعلّق بمجموعة من العوامل "الحاكِمة"، ومنها: حجم الدين العام (الداخلي والخارجي)، وديون الشركات الوطنية للمُموِّلين (المُقرضين) الأجانب، وسعر الفائدة، و "عَرض" النقد في الاقتصاد، ونسبة حجم الودائع لدى البنوك إلى اجمالي عرض النقد، وأوضاع الميزان التجاري، والميزان الجاري، و ميزان المدفوعات ككلّ، وتحركات الاستثمار الأجنبي (المُباشر وغير المباشر)، وحركة رؤوس الأموال (قصيرة وطويلة الأجل)، والقيود على التجارة الدولية، وحجم وقوة التأثير للعُملة الرئيسة في التبادلات الدولية، والمتغيرات الرئيسة للاقتصاد الكلّي.. ليأتي فيما بعد، تأثير تغيّر ميزان القوى بين الاطراف الفاعلة (اقليمياً ودولياً)، في صراعها على مصادر القوة والنفوذ (ومعظم هذه المصادر هي موارد اقتصادية بدرجة أساسية).
القضية في جوهرها اذاً، هي قضية اقتصاد، وعلاقات اقتصادية دولية واقليميّة، وليست قضية "كرامات" قومية أو وطنية أو شخصية أو عائلية.
إنّ أسوأ شيءٍ يُمكنُ أن يحدث لك، هو أن تكونَ اقتصادياً، والاقتصاد ليس اختصاصك، وأن تكونَ طبيباً، والطبّ ليس اختصاصك.
اذهب وكُن سياسيّاً "تويتريّاً"، أو مُحَلّلاً "فضائيّاً"، أو شاعِراً "فيسبوكيّاً"، أو خطيباً "مِنبَرِيّاً"، أو في أيّ مكانٍ تُريد، فهذا شأنكَ، وشأن الناس الذين يقرأونَ أو يصغون لكَ، أو يُشاهدونَك، وينبَهِرونَ بطَلّتِكَ البهيّة عليهم.. أمّا الاقتصاد فهو شيءٌ آخرَ تماماً.
العِناد والمكابرة لا قوانين لهما.. أمّا الاقتصاد فيقوم على "توازنات" دقيقة، تضبطها قوانين حاكمة.
هذه القوانين قد لا تعمل أحياناً كما يجب (لسببٍ ما)، ولكنّها دائماً ما تعمل، وإذا عملَت فإنّها لا ترحم أحداً، بما في ذلك أولئكَ الذين قاموا بسّنّها، و وضعوا لها أصول اللعبة، و قواعد العمل.
اذا كنتَ تُريدُ أن تأخذَ شيئاً من "المحظورات"، أو تحصلَ على شيءٍ بحكم "الضرورات".. فعليكَ أن تمنَح "المُنافسين" شيئاً بالمُقابل.
دونَ القدرة على تقديم تنازلات صعبة، ودون القدرة على تحمّل تكاليف (سياسية واجتماعيّة) في مرحلةٍ ما، قد لا تقومُ لك قائمة في المرحلة التي تليها، وستكونُ هزيمتكَ مُرّة، وتامّة، وشاملة، و متعددة الجوانب والأبعاد.
أنا آسفٌ جدّاً لأنّني أعرضُ الأمر على هذا النحو، ولكنّ أسفي لا معنى له.. فهذا هو "المنطق" الذي يتحكّم في مسار، وتوجّهات، العلاقات الاقتصادية (والسياسية) الدولية، كما يتحكَّمُ في كُلّ تفاصيل السوق المحليّة.. شاءَ من شاءَ، وأبى من أبى.
اهدأ قليلاً، و "تمَدّد على كَدِّ غطاك"، ولا تبتَعِد كثيراً عن قواعد والتزامات العيشِ في"البيت"، وتفَحَّص كثيراً، ودائماً، سياج "الحديقة".. "حديقتك" أنت، و "حدائق" الآخرينَ (الأماميّةَ والخلفيّةَ) أيضاً.
اعطِ الخُبزَ لخبّازيه.. والحديدَ لحدّاديه.. والسيّارة لسائقها الماهر.. والسفينة لقبطانها الحكيم.. والطائرة لطيّارها المُتَزّن.. و تمتّع بـ "القيادة".
اهدأ قليلاً.. وتحرَّك في حيّزٍ ضيّقٍ، أنتَ و "الحاشيةَ" و"الأتباعَ" و "المُريدينَ"، و المُطَبِّلينَ، و "العائلة".. إلى أن يَمُرَّ الاعصار، وتهدأ العاصفة.
خلاف ذلك .. هناكَ شيءٌ يُدعى "الانتحار".
وعندما تُقَرّرُ أن تنتَحِر، عزيزي الكائن "الفذّ"، الذي لا نظير لكَ في العِلمِ والمُلك.. أو عندما ترغبُ في أن تأخذُكَ العِزَّةُ بالإثم، أو عندما تريد أن "تركَبَ رأسَكَ" المليءَ بالأوهام..
فعليكَ أن لا تنسى أبداً أنّ "المُنتَحِرينَ" في جميع الأديان .. لا يدخلونَ "الجَنّة".
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- العراق.. أزمة تلد أخرى
- كبوة أخرى في إدارة المال العراقي