- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أسبقية الضمائر والقلوب بالتلبية
بقلم: حسن كاظم الفتال
عزم الإمام الحسين صلوات الله عليه على الخروج والرحيل قاصداً الوصول إلى الموقع الذي يتخذ منه نقطة الشروع إلى المجد والشموخ والكرامة والإباء والتضحية والفداء .
ذلك الموقع هو مدينة كربلاء المقدسة بدأ رحيله ومسيره وهو يذيع إعلانه على الملأ ويبين غايته ومقصده مشددا على إظهار عزمه الذي يعلم علم اليقين بما ستؤول له نتيجة هذا العزم وهذه البسالة والبطولة والإصرار التام والحزم على رفض الظلم الطغيان والجور والبطش والإرهاب يعلم علم اليقين بعد أن يحقق مسيره هذا غاياتِه ما ستؤول إليه النتيجة .
ولم يكن يتنبأ بل أخبر صلوات الله عليه بما سيؤول إليه المسير من نتيجة وبين النتيجة ووصفها بأعظم وأفضل وأدق وصف وما تأول إليه النتيجة وبين إستعداده التام لتقبل تلك النتيجة إذ أنها المصير المحتوم لكل من ينتفض ضد أهل الباطل والإفتراء وضد أمراء الجور والظلم والغدر والخيانة. أعلن استعداده ورضاه التام بالنتيجة شريطة أن لا يتوقف عن مقارعة الباطل فقال صلوات الله عليه : (خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ) .
ايُ تعريف ووصفُ أدق وأنقى وأعظم واشجع من هذا الوصف الذي لا يمكن أن يكون دستورا أو منهجا إلا لأصحاب العقيدة الحقة وحملة الإيمان بل الذائبين بالإيمان والعقيدة والمخلصين حق الإخلاص والذين يرفضون اية عبودية إلا لله جل وعلا .
ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه ونفسه مضى ليرسم السبيل الواسع والمضاء المنور بإتيان الحقيقة لكي يسلكه أصحاب العقول النيرة ولكي يوضع الآخرون على المحك ويزال الزيغ والدرن عن القلوب فتكون نقية صافية خالية من كل ريب أو شك او استسلام للذل والخنوع والخضوع . وقف صلوات الله عليه على المحجة البيضاء وأعلن للناس غايته وكأنه يدعوهم لإمتحان عسير يستلزم اجتيازه عقيدة ثابتة قوية ليتيسر معرفة النوايا وكيف أنهم حقا سيسلكون سبيل مناصرة الحق ومناهضة الباطل .
فمضى يلقي عليهم الحجة بذلك كي لا يتسنى لأحد أن يتعكز على أي عذر أو حجة أو غير ذلك . ومن يريد أن يعلن إنتماءه سرا وعلانية ويبين موقفه عليه أن يقدم برهان استعداده ووقوفه مع الحق ضد الباطل .
الحسين صلوات الله عليه هو جوهر الحق واصله ومنبعه ومصدره فيستوجب على من يناصر الحق أن يبرهن ويثبت ذلك بأنه تقبل بكل مصداقية وإخلاص وارتياح للضمير وإنشراح للقلب .
لذا وقف صلوات الله عليه وأعلن بيانه الأول حين ألقى خطابه مبتدئاً بحمد الله جل وعلا والتوكل عليه قائلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ وَما شاءَ اللَّهُ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَمَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ ، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَحْمَةٌ هِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنَجَّزُ لَهُمْ وَعْدُهُ، مَنْ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ للَّهُ )
ألقى خطابه صلوات الله عليه فمثلما اخترق الحجب اخترق قلوب الموالين بكل صدق فأججها بنار شوق الإلتحاق بركبه والسير معه .
تسلل خطابه إلى النفوس والقلوب والضمائر كتسلل برد السيل إلى الظامي وأدخل الجمع بإمتحان عسير . فرغم أن الموت محتم على الإنسان إنما لا يخلو قلب من الحب الشديد للحياة والشغف للعيش بأمن وامان ورغد . خصوصا أن القلوب يصعب أن يتواجد فيها حبان لمتناقضين . لا يمكن للقلب أن يحاط بسور الحق مع جدار الباطل في الوقت نفسه ..
جذب خطابه صلوات الله عليه النفوس التائقة للحرية وللعيش بكرامة لم يكن خطابه يجذب أشخاصا وأبدانا وجسوما إنما جذب الأرواح والضمائر والقلوب والنفوس.
فراحت تتهافت وتتسابق لبلوغ مذبح الحرية وصارت تهتف سرا وعلانية يا ابا عبد الله ليَرْخُص لك كل شيء تَرخُص الأعمار
يا ابا عبد أنت الروح المحمدية الفاطمية العلوية الحيدرية صيرت نفسك قربانا لديمومة سلطة الحق والعدل والإنصاف وشيوع الصلاح .
فكيف لا ترخص لك الأعمار .