- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الرابع
بقلم: د. عبد المطلب محمد
العنصرية المتجذرة
أكد ألامين العام للأمم المتحدة، صباح يوم 19/4/2021، خلال فعالية عقدتها الجمعية العامة لاحياء اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري بقوله (أليوم مات نظام الفصل العنصري, ولكن للأسف، تستمر العنصرية في جميع المناطق وفي جميع المجتمعات). والحقيقة أن الدول الاوروبية لا تستطيع التخلص بسهولة من عنصريتها المتجذرة لأنها جزء من بنائها النفسي والاجتماعي والثقافي والفكري كما تم بيانه سابقا. فما زال لون البشرة مثلا يؤثر على فرص التعليم والعمل والصحة والاقتصاد والسياسة في أمريكا وحتى في أكثر الدول الاوروبية تطورا. حيث تشير التقارير إلى أن نسبة المصابين والوفيات بكورونا ما بين المنحدرين من أصلول أفريقية في أمريكا هي أكثر بكثير من الامريكيين البيض وهذا يعود لاسباب عديدة أهمها التمييز العنصري فهم لا يحصلون على الرعاية الصحية على قدم المساواة مع البيض ولذا فأنهم عرضة لمعدلات أعلى من الإصابة بفيروس كورونا والوفيات الناتجة عنه. فمجموع الظروف التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية للأقليات السوداء والملونة والسكان الأصليين وطبيعة ونوعية الاعمال التي يقومون بها مؤشرات كافية لتوقع مستوى أوضاعهم الصحية عموما لا سيما في حالة حدوث كارثة طبيعية أو انتشار وباء كما يحصل حاليا.
يقول البروفسور البريطاني تومي كري, وهو من الأشخاص الأكاديميين المعاصرين المعنيين بدراسات الاعراق (أنّ العنصريّة العِرقيّة في المجتمعات الغربيّة ليست مرضاً يمكن الشفاء منه بجرعات ديمقراطيّة مكثفّة، وليست عرضاً زائلاً وإنما هي جزء رئيسي من التكوين المجتمعي في الغرب وهيكلية القوة فيه ونظام الأشياء في توجيه الطموحات الفردية للأشخاص).
ويؤيد هذا الرأي ويدلل على عنصرية الاوروبيين المقيتة حتى الوقت الحاضر, هي ما تشهده ملاعب كرة القدم في اكثر من دولة اوروبية من تعرض اللاعبين السود والملونين للسخرية والاستهزاء أثناء المباريات رغم مهارتهم الرياضية العالية وما يتعرض له ذوي البشرة السوداء من حوادث اعتداء وظلم وسوء المعاملة وأحيانا القتل لأتفه الاسباب من قبل الشرطة الامريكية حيث تناقلت وسائل الاعلام هذه الحوادث بكثرة خلال السنوات الماضية.
وحسب العديد من الدول الاوروبية ومنها فرنسا فأنه لا يحق للمسلمون ان يحتجوا ويعترضوا على نشر صحيفة فرنسية (صحيفة شارل أيبدو) رسوما كاريكاتورية مسيئة للاسلام ولشخص النبي الاكرم محمد (ص) لانه حق من حقوق التعبير عن الرأي وحرية الصحافة وعلى المسلمين قبول ذلك دون اعتراض ولكن ان تقوم السفارة الروسية في باريس في 24/3/2022 بنشر رسمين ساخرين عن اوروبا, احدهما يظهر جثة فوق طاولة كتب عليها كلمة (اوروبا) في حين يقوم شخصان يمثلون أمريكا والاتحاد الاوروبي بحقنها بعددا من الابر تعبيرا عن الازمات التي تتعرض لها والرسم الاخر يظهر الاوروبيون جاثمين أمام العم سام (كناية عن أمريكا), فهو عمل (غير مقبول ... غير ملائم بالمرة) ويضر بالعلاقات ما بين فرنسا وروسيا كما صرحت بذلك وزارة الخارجية الفرنسية. انها سياسة العنصرية المقيتة وعدم احترام الاخر خاصة اذا كان مسلما وأزدواجية المعايير لدى الدول الغربية).
ان يلبس بعض اللاعبين الرياضيين العرب قمصان عليها كلمات تضامن مع الشعب الفلسطيني ونسائه واطفاله اثناء قصف غزة من قبل العدو الاسرائيلي قبل سنوات عرضتهم للعقوبة والنقد والرسائل الغاضبة بحجة عدم جواز خلط الرياضة بالسياسة ولكن ان يلبس فريقان انكليزيان قمصان على احدهما علم اوكرانيا وعلى الاخر كلمة (لا للحرب) تضامنا مع اوكرانيا هي شجاعة وعمل انساني نبيل يشكرون عليه. ان توصف مقاومة الفلسطينيون للاحتلال الاسرائيلي ومقاومة اليمنيين للعدوان السعودي ارهابا من قبل أمريكا واوروبا ويتم وضعهم على القوائم السوداء ولكن توصف مقاومة الاوكرانيين للروس بالبطولة والشجاعة والدفاع عن أرض الوطن من قبل نفس الدول السابقة ويتم تزويدهم بالسلاح والعتاد وتقديم مختلف أنواع الدعم السياسي والاعلامي والمساعات المتنوعة, ما هي الا سياسة الكيل بمكيالين ووجه من أوجه تلك العنصرية البغيضة الضاربة بجذورها في عقلية الدول الغربية الاوروبية.
لقد كشف الصراع الدائر ما بين روسيا واوكرانيا عن ما يلج في أعماق صدور الاوروبيين وظهرت خبايا نفوسهم في الكثير من المواقف السياسية والاقتصادية وحتى الانسانية حيث هبت العديد من الدول الاوروبية لاستقبال المهاجرين الاوكرانيين بدون قيد أو شرط وبلغ الامر ببعض الدول مثل الدنمارك للمطالبة بأعادة المهاجرين السوريين, المتواجدين لديها, الى بلادهم واستقبال الاوكرانيين محلهم. اضافة الى قيام الكنيسة بأخذ موقفا معاديا لروسيا حيث وصف رئيس أساقفة (كانتربري – انكلترا) (جاستن ويلبي) الهجوم الروسي على اوكرانيا بأنه (عمل من أعمال الشر الكبير) وبالمقابل فأن الدول الاوروبية وأمريكا ما زالوا صامتين عن حقوق الشعب الفلسطيني وعلى جرائم الكيان الغاصب لفلسطين وعلى المجاعة والامراض والجرائم المتواصلة التي تحدث يوميا بحق الشعب اليمني. وهذه الدول الغربية نفسها سبق وان شددت الخناق على الشعب العراقي أثناء فترة الحصار عليه التي استمرت (13) عاما أدت الى موت الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ من دون أي شعور بتأنيب الضمير.
وتحدث عدد من المعلقين الصحفيين الغربيين بعنصرية في وسائل الاعلام المرئية وهم يشاهدون محاولات فرار الاوكرانيين وهروبهم من بلادهم الى الدول المجاورة. فقد تحدث مراسل شبكة (CBS News) الامريكية بأسلوب عنصري تهكمي قائلا (هذا "المقصود بها اوكرانيا" ليس العراق ولا أفغانستان, هذا بلد متحضر ودولة اوروبية, هؤلاء شعب مثلنا ولا يصح ان يحدث لهم مثل هذا) والمقصود هنا ان شعب العراق وافغانستان هي شعوب متخلفة ومن الطبيعي ان يتعرضوا للتهجير ويتم سحق انسانيتهم بعكس شعب اوكرانيا فهو شعب اوروبي متحضر لأن بشرته بيضاء وشعره اشقر وعيونه زرقاء ويقطن اوروبا ولذا لا ينبغي ان يتعرض للتهجير. ولا يمكن فهم ان تكون الازمة والمعاناة الانسانية مختلفة بأختلاف الوان بشرة الناس حيث تكون غير مهمة وطبيعية في العراق وافغانستان وخطيرة وغير مقبولة في اوكرانيا الا اذا تم التحليل استنادا الى اسس عنصرية مقيتة.
كما خرج علينا مذيع آخر على الهواء من قناة الجزيرة الناطقة باللغة الانكليزية بتعليق عنصري آخر وهو يشير الى الاحداث الجارية في اوكرانيا حيث يقول (ما يثير الالم, انظر ماذا يرتدون, هؤلاء ليسوا أشخاصا يحاولون الهرب من بلادهم في الشرق الاوسط أو في أفريقيا, انهم يبدون مثل أي عائلة اوروبية). وصرح الامير وليم, حفيد ملكة بريطانيا, خلال زيارته لمركز اوكرانيا الثقافي في لندن بتصريح مفاده (أنه من الطبيعي رؤية الحرب وسفك الدماء في أفريقيا وآسيا, ولكن ليس في أوروبا) وهو يتناسى أو يتغابى عما حدث من تدمير وقتل وسفك دماء خلال الحرب العالمية الاولى والثانية التي اشعلتها وأكتوت بنارها دول اوروبا. انها عقدة التفوق والتعالي والعنصرية الغربية في أبسط صورها.
ومن خلال هذه العوامل الاربعة (الاستعمار والهيمنة ونهب ثروات الشعوب, التقدم العلمي والقوة الاقتصادية والتحكم في المؤسسات الدولية, الآلة العسكرية الغاشمة والقواعد العسكرية والاساطيل البحرية المنتشرة في أرجاء الارض والبحار وأخيرا عقدة التفوق والعنصرية المتجذرة) تسعى أمريكا والدول الغربية في فرض قواعد اللعبة بما يتناسب مع مصالحها وفرض وصايتها وسيطرتها على شعوب العالم أجمع واجبارهم على تبني قيمها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية والتخلي عن أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم. كما تعتقد هذه الدول ان حصولها على القوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية يمنحها الحق في استعمار واحتلال وتدمير واخضاع بقية الشعوب والدول ونهب خيراتها.
وللمقارنة بشكل مختصر (فهو ليس الموضوع هنا) نشير الى ان الغرب لم يصل الى ما وصل اليه المشرق من فكر وثقافة وفلسفة وعلم وحضارة في ازهى ايام تاريخه الطويل وقد استفاد واستقى الاوروبيون تقدمهم المعرفي والعلمي مما كان موجودا في البلاد الاخرى وبالخصوص مما كان موجودا في الشرق الاسلامي. ألم يأخذ الأوروبيين علوم الجبر والفلك والطب والكيمياء عن العرب والمسلمين؟
ان الحضارة الاسلامية واسعة الصدر متنوعة الأعراق والألوان والأجناس فاتحة أبوابها لكل البشر فهي حضارة علمية فكرية عالمية خيرها يعم ويشمل البشرية جمعاء، فهي لا تؤمن بمفهوم العنصرية الاستعلائية المقيت. لقد أمر الاسلام بالرحمة والعدل والتساهل والمساواة ما بين جميع البشر مهما كانت ألوانهم وأعراقهم واديانهم، وجعل التقوى والإيمان هي المعيار في المقارنة ما بين أصناف البشر سواء أكان عربي أم أعجمي. قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم في الآية (13) من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وقال رسول الله (ص) : (كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) كما قال نبينا الكريم (ص) : (الناس سواسية كأسنان المشط فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى) وقال الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ).
للمقال تتمه ..
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟