- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحرب تلقي بظلالها على أسعار المواد الغذائية في العراق
بقلم: د. جاسم الصفار
مباشرة بعد بدء العملية العسكرية الخاصة للقوات المسلحة الروسية في 24 شباط، بدأت وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن خطر "أزمة الغذاء" في البلدان التي تعتمد على استيراد الحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية من أوكرانيا وروسيا.
كتبت صحيفة نيويورك تايمز في الأول من اذار أنه "بعد عدة أيام من القتال، اهتزت أسواق السلع العالمية وارتفعت العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو التجارية بنسبة 12 في المائة"، وتوقعت الصحيفة، أن "يخلق ارتفاع أسعار القمح مشاكل كبيرة في البلدان التي تستورد قمحها من روسيا وأوكرانيا". علاوة على ذلك، أثار هستيريا الأسعار إعلان الاتحاد الأوروبي وامريكا عن حزمة جديدة من العقوبات المناهضة لروسيا.
تعتبر روسيا وأوكرانيا المنتجان الرئيسيان للعديد من السلع والمواد الاولية، مما أدى الاضطراب في توفيرها، نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية والمالية، إلى زيادة حادة في الأسعار العالمية، وخاصة النفط والغاز الطبيعي، إضافة الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي وصلت أسعار بعضها كالقمح إلى مستويات قياسية.
وحسب المراقبين، يمكن أن تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الغذاء والوقود إلى زيادة مخاطر الاضطرابات في بعض المناطق، من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، فزيادة أسعار مواد الطاقة يعني زيادة تكلفة إنتاج الغذاء بشكل عام، حيث تمثل الطاقة نسبة الثلث من تكلفة الإنتاج الزراعي، وهكذا فمن المرجح أن يزداد انعدام الأمن الغذائي في أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط.
على المدى الطويل، يمكن للصراع أن يغير النظام الاقتصادي والجيوسياسي العالمي بشكل جذري نتيجة التحولات في تجارة الطاقة، وسلاسل التوريد، والتغيرات الجذرية في شبكات الدفع، وإعادة الدول التفكير في احتياطيات العملات. وبالتالي يؤدي تصاعد التوترات الجيوسياسية إلى زيادة مخاطر التفتت الاقتصادي، لا سيما في مجالي التجارة والتكنولوجيا.
في 15 اذار 2022، نشر صندوق النقد الدولي مقالًا لمجموعة من المؤلفين جاء فيه أن فبراير من هذا العام كان قد سجل أعلى ارتفاع لأسعار المواد الغذائية (اللحوم والألبان والحبوب والزيوت والسكر) منذ عام 1961. إضافة الى ذلك، ففي فبراير 2022 ارتفعت العقود الآجلة لشحنات القمح والذرة الى اعلى مستوياتها في حين سجلت أسعار فول الصويا اعلى مستوى لها منذ 2012.
من البديهي أن يتسبب الصراع في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا في تعطيل الإمدادات وربما الإنتاج لأكبر منتجين زراعيين في العالم. علما بأن البلدان يوفران ما يقرب من 30% من صادرات القمح العالمية و18% من الذرة، ويتم شحن معظمها عبر موانئ البحر الأسود المغلقة الآن.
ومع تصاعد حدة القتال في أوكرانيا، يبدو أن العراق سيتأثر، مثل غيره من البلدان بمخرجات الحرب. قد لا يكون ذلك التأثير مباشراً، ولكن كنتاج للأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. علما بأن العراق يعتمد بشكل كبير على استيراد أغلب احتياجاته الأساسية من السلع والمواد الغذائية في ظل غياب وتراجع كبير للصناعة والإنتاج المحلي منذ أكثر من عقدين.
تبعا لذلك أصبح العراق واحد من أبرز مستوردي الحبوب في الشرق الأوسط رغم أنه يزرعها لكن الإنتاج لا يكفي الحاجات المحلية. فالعراق يحتاج بين 4.5 إلى 5 ملايين طن سنويا للاستهلاك المحلي، فيما يبلغ الإنتاج المحلي سنوياً قرابة 3 ملايين طن، وفقا لما صرح به المتحدث باسم وزارة الزراعة يوم الاثنين الماضي، وهو ما يضطره إلى الاستيراد الخارجي وغالبا ما يسد عجزه بالاستيراد من أوكرانيا وروسيا.
تلقي الحرب في أوكرانيا بظلالها على واقع تقليص اعتمده العراق في الخطة الزراعية الخاصة بالحبوب لهذا العام والذي سبقه لمستوى النصف جراء الأزمة المائية التي تعيشها البلاد منذ سنوات وتفاقمت حدتها منذ 2018. إضافة الى ذلك، شهد العراق في الفترة الاخيرة، ارتفاعاً في أسعار مادة الطحين بزيادة تجاوزت الـ 40% من قيمة شرائها عما كانت عليه سابقاً. لذا أعلنت وزارة التجارة العراقية، أن العراق يعتزم شراء نحو ثلاثة ملايين طن من القمح لتكوين احتياطي استراتيجي على خلفية ارتفاع أسعاره بسبب الأزمة في أوكرانيا.
وفي بيان صحفي نقلته وكالة ريا نوفوستي الروسية، أعلن أن مجلس الوزراء وافق على دعم وزارة التجارة من خلال تخصيص 100 مليون دولار بشكل عاجل لشراء القمح المستورد لتكوين احتياطي استراتيجي. وأكد مجلس الوزراء أنه أعد خطة لضمان الأمن الغذائي للعراقيين ومكافحة الارتفاع العالمي في أسعار القمح المرتبط بـ “الأزمة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا التي توفر ثلث المعروض من القمح والزيت والذرة في الاسواق العالمية.” كما تم التخطيط لإجراءات مختلفة لدعم المزارعين العراقيين.
وعزى مراقبون أسباب ذلك الارتفاع المفاجئ، إلى تداعيات قرار البنك المركزي العراقي برفع قيمة صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وتقلص المساحات الزراعية نتيجة أزمة المياه بعد انخفاض مناسيب واردات نهري دجلة والفرات مؤخراً إلى نحو 50%.
ولم يقتصر التبادل التجاري بين أوكرانيا والعراق على الحبوب وحدها، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين اوكرانيا والعراق قد فاق في العام 2018 الـ 644 مليون دولار اميركي، ومن مجموعة المنتجات المصدرة من اوكرانيا الى العراق والتي لها وزن محدد في هيكلية التصدير، هي الدهون والزيوت الحيوانية أو ذات المنشأ النباتي (42,2%)، والمعادن الحديدية (40,5%)، واللحوم الصالحة للأكل (6,9%)، والحليب ومنتجات الألبان وبيض المائدة والعسل (2,8%)، ومنتجات الحبوب (1,6%)، والسكر والحلويات (0,8%)، والفواكه والمكسرات الصالحة للأكل 7,0%. زيت عباد الشمس مدرج أيضًا في قائمة المنتجات التي تخلق تأثير الدومينو. في السنوات السابقة، حققت أوكرانيا تصديرًا قياسيًا لهذا النوع من المنتجات. وكان العراق واحد من أكبر خمسة مشترون لزيت عباد الشمس من أوكرانيا. بعد الحرب توقف تصدير زيت عباد الشمس من أوكرانيا، أما روسيا، فمن المخطط فرض رسوم تصدير على زيت عباد الشمس، مما سيؤثر حتما على الأسعار العالمية.
ووفقاً لإحصاءات صادرة عن الحكومة الأوكرانية، يحتل العراق المرتبة السادسة من بين 15 دولة نمت فيها صادرات البضائع من أوكرانيا أكثر من غيرها والتي تبلغ 164,9 مليون دولار. كما يحتل العراق المركز 11 من بين أكثر البلدان الـ 15 كشريك في تصدير البضائع من أوكرانيا، وفقاً للإحصاءات الرسمية الأوكرانية.
وأخيرا، فان الازمة التي يواجهها العراق في توفيره للمواد الغذائية بأسعار تتناسب مع دخل المواطن العراقي، تتطلب اليوم وقفة جادة وتخطيط سليم لتجاوزها، من أجل التخفيف من معاناة ذوي الدخل المحدود.
فارتفاع أسعار البترول قد تمنح العراق إمكانية شراء المواد الغذائية الضرورية من أسواق أخرى، بأسعار باهضه تفوق بكثير أسعارها في أوكرانيا وروسيا، وبالتالي ستثقل ميزانية الاسرة العراقية في ظل بقاء سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي على حاله. أما أزمة نقص المياه، فإن أسوأ الحلول لمواجهتها هو تقليص مساحة الأراضي الزراعية.