- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
معركة الدينار العراقي - الجزء الثاني
بقلم: محمد حميد رشيد
التعويم
الحل الذي يحقق بقاء الدولة مشرفة ومراقبة وموازنة لأسعار صرف العملة المحلية قياساً بالعملة الأجنبية وفي ذات الوقت تخفف من تدخل الدولة المباشر والمستمر وتجعل الإقتصاد يميل إلى الإستقرار الحل هو بتعويم الدينار العراقي وتركه يأخذ قيمته الحقيقية في السوق العراقية وهذا لا يعني بالضرورة كف يد الدولة عن موازنة أسعار العملة بما تمتلكه من إمكانيات وأدوات تكفل إستقرار السوق (دون أن تتدخل الدولة بتسعير الدينار بشكل مباشر).
وهناك من يقول إن سياسة (التعويم الكامل) غير نافعة في اقتصاد العراق الذي يعد اقتصادا ريعيا ، يعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير(90%) والتعويم يتطلب تنويع الاقتصاد لخلق حالة من التوازن في العرض والطلب، إلا أن هذا يعد صعبا في العراق لوجود لاعب واحد فقط في هذه المعادلة وهو البنك المركزي العراقي بل أن التعويم يخفف من سلطة البنك المركزي ويمنح الفرصة للتنوع الإقتصادي ويجبر الدولة لتشجيع الإستثمارات المختلفة داخل البلد وممارسة دوراً أكبر في إستقرار أسعار النفط بالمساهمة مع (منظمة الدول المصدرة للبترول) وتنشيط الصناعات البتروكيمائية للتعويض عن إنخفاض أسعار البترول إن حدثت أوعند الحاجة (لإيقاف التصدير لفترة محدودة) وهذا يستوجب تشجيع الصناعة والزراعة المحليتان وصولاً إلى الإكتفاء الذاتي المحلي وكل ذلك يستوجب نشاط الحكومة ووضع الخطط اللازمة للوصول إلى نوع من الإستقرار المحلي الذاتي والخروج من الموقف السلبي وردود أفعال الحكومة عبر حلول مؤقتة وقد تسبب الأضرار على المستوى البعيد. وهذا يقتضي القيام بالإصلاح الإقتصادي بشكل عام للخروج الضروري من عصر النفط ومن إقتصاد النفط وعبور عصر النفط الذي سيعبرنا إن لم نعبره .
وهناك من يقول أن للتعويم تداعيات سياسية واجتماعية يصعب على الواقع الاقتصادي والسياسي العراقي تحملها الآن أن التعويم الكامل ستكون له انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمستهلك العراقي وخاصة الفئات المتوسطة والفقيرة.
ولكن التسعير الذي قام به البنك المركزي لم يكن بسعر متوسط يلائم الفئات المتوسطة والفقيرة بل على العكس تماماً كانت تلك الفئات من اول المتضررين من تسعير الدينار فضلاً عن تأثيره السلبي على عموم السوق العراقية (ركود وإرتفاع الأسعار) . كما أن التعويم لا يعني كف يد البنك المركزي في مراقبة حركة الأسعار تماماً بل عليه التدخل عند الحاجة لإعادة التوازن إلى السوق المحلية وبما يدعم قوة الدينار العراقي حصراً فمصلحة العراق الحالية دعم الدينار العراقي وتقويته وهذا يساهم في تقليص الإسعار وزيادة القوة الشرائية للمواطن بل يوفر له وفرة تتيح للدولة إعادة النظر بالرواتب إن اضطرت إلى ذلك .
أما فيما يتعلق بحاجة الدولة للسيولة المحلية التي تلجاء إلى شرائها من خلال مزاد العملة وإن زيادة سعر الدولار وتخفيض الدينار يعني توفير عملة محلية أكبر وتقليص عملية تهريب العملة الأجنبية من خلاله.
لكن ذلك يعني أن الدولة والبنك المركزي يساهمان في تكريس تخلف التعاملات الإقتصادية عبر التركيز على التعامل بالعملة الورقية وفي ذلك محاذير ومساوىء كثيرة ومعروفة في حين أن التعاملات الإلكترونية والبنكية أكثر ضمان وأسرع وأدق وأكثر فائدة للدولة كما أنها في نفس الوقت ممكن أن تشجع المواطنين على الإدخار عبر البنوك والمصارف وتسهل التعاملات اليومية بين التجار والمستهلكين فضلاً عن فوائدها (الآمنية) وطبعاً هي تقلص التعامل الورقي إلى أدنى حد ممكن . أما فيما يخص عدم تكيف الناس مع هذا النمط من التعاملات البنكية فهذا في حقيقته راجع إلى تخلف الدولة في التعاملات البنكية وليس العكس ومثال ذلك المقيمين في (تركيا وإيران) يهجرون التعامل الورقي ويستعينون بالكارتات والتعاملات البنكية بمجرد وصولهم إلى هناك.
أما فيما يخص (تهريب العملة) فهذا يعني عجز الدولة وعدم مقدرتها على منع التهريب وكذلك عجزها عن وضع (ضوابط) تقلصه أو تمنعه تماماً (والحقيقة أن التهريب عبر مزاد العملة مستمر رغم زيادة سعر الدولار لأنه وبشكل آخر منفذ حكومي (لغسيل الأموال) والذي تاثر بهذه الزيادة هم التجار الجادين فعلاً ونسبتهم لا تتجاوز 30% من زبائن (مزاد العملة) وهولاء اثروا بشكل مباشر على الأسعار داخل العراق وتضرر المواطن العراقي بهذه الزيادة.
لماذا تسعير العملة المحلية خطاء لابد من مغادرته ؟ ذلك لأن تسعير العملة يقفل باب أمام إرتفاعها مرة أخرى ويعزلها عن قيمتها الإقتصادية الحقيقية لأن السعر فرضته (الحكومة) ولم يفرضه السوق لتنطبق عليه قوانين السوق ولأن الحاجة إلى زيادته يحتاج إلى (قرار دولة) وهكذا في كل مرة ! . فضلاً إلى أن تسعيرة الدولة (قد) تعطي القيمة الفعلية الآنية لسعر العملة المحلية لكنه وبعد مدة (قد تكون قصيرة جداً) لا يمثل القيمة الحقيقية للعملة المحلية (حدث هذا في التجربة العراقية على وجه التحديد) . والأمر الأخير أن تدخل الدولة بهذا الشكل يكرس الإقتصاد المركزي ويضعف من التوجه نحو إقتصاد السوق الذي تتوجه نشاط الدولة الإقتصادي نحوه والذي يخدمه تعويم العملة المحلية!.
أن تسعير الدينار العراقي بهذا الشكل يعطي تصوراً مشوشاً ورسالة مغلوطة عن دور البنك المركزي العراقي وعن الإقتصاد العراقي ويكرس كل السلبيات والمساويء التي تحيط به ونمنع تطوره وإستعادة صحته وهناك من يريد أن يتراجع العراق ويضعف إقتصاده ويجب أن لا نسمح بذلك ولابد من إستعادة عافية الإقتصاد العراقي وقد يعتبر (التسعير الرسمي) إستسلاماً للواقع السيء الذي تسيطرعليه قوى الشر وقوى (الفساد) والإرهاب الخارجة عن القانون والخارجة عن سلطة الدولة على بعض مفاصله وعجز الدولة عن الذهاب إلى الحلول العلمية والإقتصادية لمعالجة السلبيات التي تعرقل نمو هذا البلد وتطوره الإقتصادي المؤهل له فعلاً لابد من فرض القانون وفرض قوة الدولة وإعتماد الأسس الإقتصادية العلمية وعدم اللجوء إلى الحلول المؤقتة .
ومع الأسف أن ذلك مؤشر واضح جداً لعدم وجود إرادة سياسية موحدة حقيقية لتجاوز معرقلات النمو الإقتصادي ومغادرة عراق (التسول والفساد) والذهاب إلى عراق مرفه كما يستحق أن يكون. فكيف ينتصر الدينار العراقي؟
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- رمزية السنوار ودوره في المعركة