بقلم: محمد حميد رشيد
التسعير
هناك معركة واضحة ضد الإقتصاد العراقي سواء كانت هذه المعركة مقصودة ومحطط لها من قبل قوى ودول خارجية وأدواتها الداخلية تستهدف إضعاف العراق بشكل عام وإضعاف بنيته الإقتصادية أو هي ناتج السياسات الإقتصادية المغلوطة أو الجاهلة من غير تعمد مقصود أو هي ناتج (الفساد) المستشري داخل الدولة العراقية.
ولم يتمكن أحد من التصدي له فالإقتصاد العراقي في تراجع مستمر ينذر (بكارثة إقتصادية مدمرة) كما وصفها وزير المالية الحالي (علي عبد الأمير علاوي) فالزراعة العراقية في حالة تراجع لأسباب كثيرة وهي لا توازي ما كانت عليه قبل الثمانينات من القرن الماضي والصناعة في حالة تراجع أيضاً والسياحة ليست بالحال المطلوب ولكل هذا التراجع أسبابه المختلفة وعلى راس تلك الأسباب هو فساد أجهزة الدولة ضعف مؤسساتها وإنتشار السلاح بعيداً عن سيطرة الدولة وتدخله عبر المليشيات وعبر العصابات وقوى مسلحة أخرى في كل مفاصل الدولة ومنها إبتزاز أو تهديد الإستثمار المحلي والأجنبي وعدم توفر بيئة آمنة وصالحة للإستثمار ؛ وطبعاً هناك عوامل عديدة أخرى ساهمت في تقويض الإقتصاد العراقي لكن تبقى معركة سعر الدينار العراقي مقارنة بالعملة الأجنبية هي مؤشراً علمياً واضحاً على نمو أو التضخم الإقتصاد العراقي أو تراجعه ومستوى النشاط التجاري والإقتصادي بشكل عام .
فما هي حقيقة هذه المعركة وأبعادها السياسية والإقتصادية وما هو الأصلح للعراق تسعير الدولار أو تعويمه ؟ ولماذا إنحصرت الحلول في (تسعير الدولة للدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي) وغيبت الحلول الأخرى ؟
كان لإنخفاض أسعار البترول أواخر عام 2020 وبصفة كون الإقتصاد العراقي إقتصاد ريعي (في الوقت الحاضر) وتراجع إيرادات الخزينة من ما دفع البنك المركزي العراقي أن يقرر رفع سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة إلى 1460 دينارا “1480دينار” ، من 1182 دينارا للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن تدهور أسعار النفط حيث شهد عام 2019 تأرجح سوق النفط وكانت الأسعار متأرجحة بين 54 دولار للبرميل الواحد إلى 65 دولار بينما كان سعره في بداية عام 2020 بحدود 54 دولار بينما تراوحت أسعار النفط لعام 2022بين 28 الى 72 دولار للبرميل حتى إرتفع حالياً إلى 97 دولاراً للبرميل الواحد. وشكل هذا الإنخفاض في سعر النفط العراقي عجزاً في ميزانية الدولة العراقية (19.79 مليار دولار) ولقد أقر البرلمان العراق ميزانية 2021 بحجم 90 مليار دولار اي (بنسبة عجز 22% تقريباً ) فكان تخفيض قيمة الدينار العراقي بنفس النسبة تقريباً (23%) وبذلك تم سد الجزء الاكبر من العجز في ميزانية 2021م ورغم أن الحكومة قد وعدت انها ستقوم بشكل فوري بدعم القطاعات المتضررة والشرائح الفقيرة عبر إجراءات تتضمن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة من أجل تعويض الارتفاع المحتمل في أسعار بعض السلع المستوردة إلا أنها لم تفي بهذا الوعد. مع العلم بأن “رواتب الموظفين ومخصصاتهم في الموازنة بلغت بحدود 50 ترليون دينار”. [وكان البنك المركزي العراقي قد صرح بأن السبب الرئيسي وراء تخفيض قيمة الدينار هو سد فجوة التضخم في ميزانية 2021 بعد انهيار أسعار النفط العالمية، وهو مصدر رئيسي للموارد المالية العراقية”90%] . ويوفر قرار خفض العملة المحلية نحو 10 تريليونات دينار (6.9 مليارات دولار) مستهدفا بذلك شريحة الموظفين الذين تأثروا كثيرا بالقرار وأفقدهم نحو 30% من الدخل بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتي تستورد من الخارج، منها الأغذية بالدرجة الأساس تليها الأدوية.
أن تخفيض قيمة الدينار نهاية عام 2019م أدى إلى ارتفاع مستوى التضخم بسبب انعكاس فروقات أسعار الصرف وتكاليف الواردات على المستهلك النهائي حيث ارتفع معدل التضخم السنوي في ديسمبر/كانون الأول 2020، بنسبة 3.2% على أساس سنوي، متأثرا بتغيير سعر صرف الدولار. فهل كان هذا التخفيض في سعر الدينار هو الحل الأوحد لمعالجة الأزمة وتقليص العجز؟ مع البيان أن من أهم مهام البنك المركزي هو استقرار صرف الدينار العراقي الذي يمثل استقرار القيمة الخارجية للنقد الوطني، ومن ثم استقرار مستوى المعيشة، وبلوغ أهدافه في بناء الاستقرار كمناخ للنمو الاقتصادي، نعم أن السعر الجديد للدينار العراقي يمنح المنتج المحلي فرصة لمنافسة المنتجات المستوردة ويقلص من تهريب العملة عن طريق (مزاد العملة). ومع هذا تبقى أضرار إنخفاض العملة المحلية بالنسبة للعراق أكثر من إيجابياتها المؤقتة لمعالجة أزمات مؤقتة والعجز في الميزانية السنوية مسألة متغيرة ومؤقتة لا يمكن البناء عليها و بلاشك إن من أهداف الميزانية هي تلافي العجز في ميزانية الدولة أو تقليصه إلى أدنى حد ممكن فالعجز ليس مسألة حتمية ؛ كما ان من مهام الميزانية ضبط الإنفاق الحكومي وزيادة الموارد وهذا بحد ذاته لو فعل لتقلص العجز إلى مستوىً كبير جداً ومن الطبيعي لوزارة المالية وهي تضع ارقام الميزانية السنوية أن تراجع تلك الأرقام على ضوء توقعاتها لإيرادات الدولة وتأخذ بنظر الاعتبار تقليص العجز إلى أدنى حد ممكن أن لم يكن بالأمكان تلافي العجز تماماً وليس رواتب الموظفين (أن الحكومة تنفق سنويا أكثر من 50 ترليون دينار كرواتب للموظفين والمتقاعدين) هي الخطوة الوحيدة التي تمكن الدولة من تقليص العجز (أرجوا مراجعة مقال هل العجز في الميزانية العمومية حتمية اقتصادية؟! العددين 4437 في 25/5/2019 والعدد 4440 في 28/5/2019(.
ومن الممكن مراجعة كثير من أبواب الصرف الخاصة وكذلك المستوردات بالعملة الأجنبية من كماليات وغيرها لتقليص حجم المصروفات بل ومع الإقرار بالتضخم الكبير الحاصل في ميزانية الرواتب فبالإمكان تقليص ميزانية الرواتب بعدة طرق وليس الإكتفاء بتخفيض قيمها بالدولار الامريكي فقط فبأمكان الدولة (تقليص الرواتب) ذاتها بنسبة تصاعدية تبدء من الصفر لتنتهي ب 40% من قيمة رواتب ومخصصات الدرجات العليا والخاصة ولو لفترة محدودة (حسب مستوى الراتب والمخصصات الممنوحة) بل هناك ضرورة إقتصادية وقانونية حتمية لتقليص رواتب ومخصصات النواب أو حتى الغائها والإستعاضة عنها برواتب رمزية وفتح مكاتب البرلمان للشعب العراقي وتحويلها إلى الخدمة الوطنية بلا مقابل؛ أو على الأقل وضع (سلم رواتب موحد) لكل العاملين في الدولة العراقية. ويمكن إستثمارالموارد البشرية الحكومية والقضاء على البطالة المقنعة أو تقليصها؛ إضافة إلى تقليص إنفاقات الدولة التشغيلية بصورة عامة وسنجد إن من الممكن تقليص العجز إلى مستواً كبير بل لو كان من أهداف الميزانية القضاء على العجز لوجدت طرق كثيرة لزيادة الموارد وتشجيع الإستثمار داخل الدولة وخارجها وزيادة الإعتماد على (التمويل الذلتي) كل هذا يمكنه أن يعالج العجز في ميزانية الدولة ثم أن هناك مشكلة كبيرة كان لابد على وزارة المالية أخذها بعين الإعتبار في حالة زيادة الموارد والحاجة إلى رفع قيمة الدينار العراقي أو العودة إلى السعر القديم فهل نحدث هزة جديدة في السوق العراقي ولعل التخفيض ستكون له نتائج عكسية أكبر من الزيادة .
والآن وقد زادت أسعار البترول بنسبة تزيد عن 30% في أضعف الأحوال و وصلت الى اكثر من97 دولار للبرميل الواحد فهل نرجع إلى التسعيرة القديمة؟
قطعاً لا لأسباب عديدة منها أن أي قرار لرفع قيمة الدينار أمام الدولار قد يحقق بعض الفائدة، لكنه لن يؤدي بالضرورة لعودة مستويات التضخم لما كانت عليه في السابق”.وكما أدى خفض قيمة العملة المحلية بنحو 23 ـ 25 في المئة إلى لركود اقتصادي نتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار المواد الغذائية وغيرها وأن معدل التضخم الحالي بلغ أكثر من 10 بالمئة بشكل عام، ولكن على صعيد بعض السلع الأساسية وصل لنحو 100 بالمئة كالزيت والرز والطحين وغيره كما أن إعادة سعر الصرف القديم لن يؤدي لعودة الأسعار السابقة لأسباب منها خوف التجار من القرارات المتذبذبة للحكومة وعدم إستقرار السوق العراقية وكون تسعير الدولار متروك لقرارات الحكومة دون الرجوع إلى السوق المحلية . وقد يؤدي خفض السعر إلى ركود اقتصادي جديد للسوق.
عليه يقترح (الخبراء) أنه في حال تمت العودة لأسعار الصرف القديمة، فيجب أن يجري ذلك بشكل تدريجي لكن ذلك سيزيد من تأرجح الأسعار ويزيد من عدم الإستقرار وعدم الثقة بأسعار الدولة . ومن الصعوبة بمكان عزل سعر الصرف عن الناتج المحلي الإجمالي، لذا يجب أن لا يتم اللجوء لقرار تغيير سعر الصرف كلما هبطت أسعار النفط ! حيث أن إستقرار سعر الصرف يؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي وهذا هو ما يهدف البنك المركزي (إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي وضمان قابلية تحويل الدينار والمساهمة في تحقيق الاستقرار المصرفي والمالي والمساهمة في تشجيع النمو الاقتصادي المطرد وفق السياسات الاقتصادية) وهو ما يصبوا إليه كل النشاط الإقتصادي الرسمي وغير الرسمي . فما الحل إذن ؟! .
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!